التفاسير

< >
عرض

قۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْمَجِيدِ
١
بَلْ عَجِبُوۤاْ أَن جَآءَهُمْ مُّنذِرٌ مِّنْهُمْ فَقَالَ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ
٢
أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ
٣
قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ
٤
بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ فَهُمْ فِيۤ أَمْرٍ مَّرِيجٍ
٥
أَفَلَمْ يَنظُرُوۤاْ إِلَى ٱلسَّمَآءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ
٦
وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ
٧
تَبْصِرَةً وَذِكْرَىٰ لِكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ
٨
وَنَزَّلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً مُّبَٰرَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ
٩
وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ
١٠
رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً كَذَلِكَ ٱلْخُرُوجُ
١١
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ ٱلرَّسِّ وَثَمُودُ
١٢
وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ
١٣
وَأَصْحَابُ ٱلأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُّبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ ٱلرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ
١٤

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله عز وجل: { قۤ وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْمَجِيدِ } قال مجاهد، والضَّحَّاك، وابن زيد، وعِكْرَمَةُ: قۤ اسم الجبل المحيط بالدنيا، وهو فيما يزعمون أَنَّهُ من زمردة خضراء، منها خُضْرَةُ السماء وخضرة البحر، وقيل في تفسيره غير هذا، و{ ٱلْمَجِيدِ }: الكريم في أوصافه الذي جمع كُلَّ مَعْلاَةٍ، و{ قۤ } مُقْسَمٌ به وبالقرآن؛ قال الزَّجَّاجُ: وجواب القسم محذوف تقديره: قۤ والقرآن المجيد لتبعثن، قال * ع *: وهذا قول حسن، وأحسن منه أَنْ يكون الجواب هو الذي يقع عنه الإضراب ببل، كأَنَّه قال: والقرآنِ المجيد ما رَدُّوا أمرك بحجة، ونحو هذا، مِمَّا لا بُدَّ لك من تقديره بعد الذي قَدَّره الزَّجَّاجُ، وباقي الآية بَيِّنٌ مِمَّا تقدم في «صۤ» و«يونس» وغيرهما، ثم أخبر تعالى؛ رَدًّا على قولهم بأَنَّهُ سبحانه يعلم ما تأكل الأرضُ من ابن آدم، وما تُبْقِي منه، وأَنَّ ذلك في كتاب، والحفيظ: الجامع الذي لم يَفُتْهُ شيء؛ وفي الحديث الصحيح: "إنَّ الأَرْضَ تَأَكُلُ ابْنَ آدَمَ إلاَّ عَجْبَ الذَّنَبِ" وهو عَظْمٌ كالخَرْدَلَةِ، فمِنْهُ يُرَكَّبُ ابن آدم، قال * ع *: وحِفْظُ ما تنقص الأرض إنَّما هو ليعودَ بعينه يومَ القيامة، وهذا هو الحَقُّ؛ قال ابن عباس والجمهور: المعنى: ما تنقص من لحومهم وأبشارهم وعظامهم، وقال السُّدِّيُّ: { مَا تَنقُصُ ٱلأَرْضُ } أي: ما يحصل في بطنها من موتاهم، وهذا قول حسن مضمنه الوعيد، والمريج: معناه المخلط؛ قاله ابن زيد، أي: بعضُهم يقول: ساحر، وبعضهم يقول: كاهن، وبعضهم يقول: شاعر، إلى غير ذلك من تخليطهم، قال * ع *: والمريج: المضطرب أيضاً، وهو قريب من الأَول؛ ومنه مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، ومن الأَوَّلِ { { مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ } } [الفرقان:53].

ثم دَلَّ تعالى على العبرة بقوله: { أَفَلَمْ يَنظُرُواْ إِلَى ٱلسَّمَاءِ... } الآية، { وَزَيَّنَّـٰهَا } أي: بالنجوم، والفروج: الفطور والشقوقُ خلالها وأثناءها؛ قاله مجاهد وغيره.

* ت *: وقال الثعلبي بأثر كلام للكسائي: يقول: كيف بنيناها بلا عَمَدٍ، وَزَيَّنَّاها بالنجوم، وما فيها فتوق؟ { وَٱلأَرْضَ مَدَدْنَـٰهَا } أي: بسطناها على وجه الماء، انتهى، والرواسي: الجبال، والزوج: النوع، والبهيج: الحَسَنُ المنظر؛ قاله ابن عباس وغيره، والمنيب: الراجع إلى الحَقِّ عن فكرة ونظر؛ قال قتادة: هو المُقْبِلُ إلى اللَّه تعالى، وخَصَّ هذا الصنف بالذكر؛ تشريفاً لهم من حيثُ انتفاعُهُم بالتبصرة والذكرى، { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ }: البُرُّ، والشعير، ونحوُهُ مِمَّا هو نبات مُحَبَّبٌ يُحْصَدُ؛ قال أبو حيان: { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } من إضافة الموصوف إلى صفته على قول الكوفيين، أو على حذف الموصوف وإقامة الصفة مُقَامه، أي: حب الزرع الحصيد على قول البصريين، و{ بَـٰسِقَـٰتٍ } حال مُقَدَّرَةٌ؛ لأَنَّهَا حالةَ الإنبات ليست طوالاً، انتهى، و{ بَـٰسِقَـٰتٍ }: معناه طويلات ذاهبات في السماء، والطَّلْعُ أول ظهور التمر في الكُفَّرَى، قال البخاريُّ: و{ نَّضِيدٌ } معناه: مَنْضُودٌ بعضُه على بعض، انتهى، ووصف البلدة بالميت على تقدير القطر والبلد.

ثم بَيَّنَ سبحانه موضع الشَّبَهِ فقال: { كَذٰلِكَ ٱلْخُرُوجُ } يعني: من القبور، وهذه الآيات كلها إنَّما هي أَمْثِلَة وأَدِلَّة على البعث، { وَأَصْحَـٰبُ ٱلرَّسِّ }: قوم كانت لهم بئر عظيمة، وهي الرَّسُّ، وكُلُّ ما لم يُطْوَ من بئر، أو مَعْدِنٍ، أو نحوه فهو رَسٌّ، وجاءهم نبيٌّ يُسَمَّى حَنْظَلَةَ بن سفيان ـــ فيما رُوِيَ ـــ فجعلوه في الرَّسِّ وردموا عليه، فأهلكهم اللَّهُ، وقال الضَّحَّاك: الرَّسُّ بئر قُتِلَ فيها صاحب «يسۤ»، وقيل: إنَّهم قوم عاد، واللَّه أعلم.

وقوله: { كُلٌّ } قال سيبويه: التقدير: كُلُّهم، والوعيد الذي حَقَّ: هو ما سبق به القضاءُ من تعذيبهم.