التفاسير

< >
عرض

أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ
٣٥
أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ
٣٦
-الطور

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ } قال الثعلبيُّ: قال ابن عباس: من غير أَبٍ ولا أُمٍّ، فهم كالجماد لا يعقلون، ولا تقوم للَّه عليهم حُجَّةٌ، أليسوا خُلِقُوا من نطفة وعلقة، وقال ابن كَيْسَانَ: أَمْ خلقوا عَبَثاً، وَتُرِكُوا سُدًى من غير شيء، أي: لغير شيء لا يؤمرون ولا يُنْهَوْنَ { أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ }: لأَنفسهم، فلا يأتمرون لأمر اللَّه، انتهى، وعَبَّرَ * ع *: عن هذا بأَنْ قال: وقال آخرون: معناه: أمْ خُلِقُوا لغير عِلَّةِ ولا لغاية عقاب وثواب؛ فهم لذلك لا يسمعون ولا يتشرَّعون.

* ت *: وقد يحتمل أَنْ يكونَ المعنى: أم خُلِقُوا من غير شيء خَلَقَهُمْ، أي: من غير مُوجِدٍ أَوْجَدَهُمْ، ويَدُلُّ عليه مقابلته بقوله: { أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } وهكذا قال الغَزَّاليُّ في «الإِحياء»، قال: وقوله عز وجل: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ } أي: من غير خالق، انتهى بلفظه من كتاب «آداب التلاوة» قال الغَزَّالِيُّ: ولا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الآيةَ تَدُلُّ أَنَّه لا يُخْلَقُ شَيْءٌ إلاَّ من شيء! انتهى، وقال الفخر: قوله تعالى: { مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ } فيه وجوه، المنقول منها: أم خُلِقُوا من غير خالق، [وقيل: أَمْ خُلِقُوا لا لغير شيء عَبَثاً]، وقيل: أم خلقوا من غير أَبٍ وأُمِّ، انتهى، وأحسنها الأَوَّلُ؛ كما قال الغَزَّالِيُّ، واللَّه أعلم بما أراد سبحانه، وفي الصحيح عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قال: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الْمَغْرِبِ بالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هٰذِهِ الآيَةَ: { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَىْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَـٰلِقُونَ } إلى قَوْلِهِ: { ٱلْمُصَيْطِرُونَ } ـــ كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ" ، وفي رواية: "وَذَلِكَ أَوَّلُ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ في قَلْبِي" انتهى، وأسند أبو بكر ابن الخطيب في تاريخه عن جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قال: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في فِدَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ في الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَكَأَنَّمَا تَصَدَّعَ قَلْبِي حِينَ سَمِعْتُ الْقُرْآنَ» انتهى.