التفاسير

< >
عرض

وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً يَقُولُواْ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ
٤٤
فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ
٤٥
يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ
٤٦
وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
٤٧
وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
٤٨
وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ
٤٩
-الطور

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً } أي: قطعةً يقولون لشدة معاندتهم هٰذَا { سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ }: بعضُه على بعض، وهذا جوابٌ لقولهم: { فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [الشعراء:187] وقولهم: { { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } [الإسراء:92] يقول: لو فعلنا هذا بهم لما آمنوا، ولقالوا: سحاب مركوم.

وقوله تعالى: { فَذَرْهُمْ }، وما جرى مَجْرَاهُ من الموادعة ـــ منسوخٌ بآية السيف، والجمهورُ أَنَّ يومهم الذي فيه يُصْعَقُونَ، هو يوم القيامة، وقيل: هو موتهم واحداً واحداً، ويحتمل أَنْ يكون يومَ بدر؛ هو لأَنَّهُمْ عُذِّبُوا فيه، والصعق: التعذيب في الجملة، وإنْ كان الاستعمالُ قد كَثُرَ فيما يصيب الإنسانَ من الصَّيْحَةِ المُفْرِطَةِ ونحوه، ثُمَّ أخبر تعالى بِأَنَّ لهم دُونَ هذا اليوم، أي: قبله { عَذَاباً } واخْتُلِفَ في تعيينه، فقال ابن عباس وغيره: هو بدر ونحوه، وقال مجاهد: هو الجُوعُ الذي أصابهم، وقال البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وابن عباس أيضاً: هو عذاب القبر، وقال ابن زيد: هي مصائب الدنيا، إذْ هي لهم عذاب.

* ت *: ويحتمل أَنْ يكونَ المراد الجميع؛ قال الفخر: إنْ قلنا إنَّ العذابَ هو بدر فالذين ظلموا هم أهل مَكَّةَ، وإنْ قلنا: العذابُ هو عذابُ القبر، فالذين ظلموا عامٌّ في كل ظالم، انتهى.

ثم قال تعالى لنبيِّهِ: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي: بمرأى ومنظر، نرى ونَسْمَعُ ما تقول، وأَنَّك في حفظنا وحيطتنا؛ كما تقول: فلان يرعاه المَلِكُ بعين، وهذه الآية ينبغي أَنْ يُقَرِّرَهَا كُلُّ مؤمن في نفسه؛ فإنها تُفَسِّحُ مضايق الدنيا.

وقوله سبحانه: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } قال أبو الأحوص: هو التسبيح المعروف، يقول في كل قيام: سبحان اللَّهِ وبحمدِهِ، وقال عطاء: المعنى حين تقومُ من كُلِّ مجلس.

* ت *: وفي تفسير أحمدَ بن نصر الداوودِيِّ قال: وعن ابن المُسَيِّبِ قال: حَقٌّ على كل مسلم أنْ يقول حين يقومُ إِلى الصلاة: سبحان اللَّهِ وبحمده؛ لقولِ اللَّه سبحانه لِنَبِيِّهِ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }، انتهى، وقال ابن زيد: هي صلاة النوافل، وقال الضَّحَّاكُ: هي الصلوات المفروضة، وَمَنْ قال هي النوافل جعلَ أدبار النجوم رَكْعَتَيِ الفجر، وعلى هذا القول جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وقد رُوِيَ مرفوعاً، ومَنْ جعله التسبيحَ المعروفَ جعل قوله: { حِينَ تَقُومُ } مثالاً، أي: حين تقومُ وحينَ تَقْعُدُ، وفي كل تَصَرُّفِكَ، وحكى منذر عن الضَّحَّاكِ أَنَّ المعنى: حين تقومُ في الصلاة [بعد] تكبيرة الإحرام، فقل: "سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ" الحديثَ.