وقوله: { وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً } أي: قطعةً يقولون لشدة معاندتهم هٰذَا { سَحَـٰبٌ مَّرْكُومٌ }: بعضُه على بعض، وهذا جوابٌ لقولهم:
{ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [الشعراء:187] وقولهم: { { أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا } [الإسراء:92] يقول: لو فعلنا هذا بهم لما آمنوا، ولقالوا: سحاب مركوم. وقوله تعالى: { فَذَرْهُمْ }، وما جرى مَجْرَاهُ من الموادعة ـــ منسوخٌ بآية السيف، والجمهورُ أَنَّ يومهم الذي فيه يُصْعَقُونَ، هو يوم القيامة، وقيل: هو موتهم واحداً واحداً، ويحتمل أَنْ يكون يومَ بدر؛ هو لأَنَّهُمْ عُذِّبُوا فيه، والصعق: التعذيب في الجملة، وإنْ كان الاستعمالُ قد كَثُرَ فيما يصيب الإنسانَ من الصَّيْحَةِ المُفْرِطَةِ ونحوه، ثُمَّ أخبر تعالى بِأَنَّ لهم دُونَ هذا اليوم، أي: قبله { عَذَاباً } واخْتُلِفَ في تعيينه، فقال ابن عباس وغيره: هو بدر ونحوه، وقال مجاهد: هو الجُوعُ الذي أصابهم، وقال البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وابن عباس أيضاً: هو عذاب القبر، وقال ابن زيد: هي مصائب الدنيا، إذْ هي لهم عذاب.
* ت *: ويحتمل أَنْ يكونَ المراد الجميع؛ قال الفخر: إنْ قلنا إنَّ العذابَ هو بدر فالذين ظلموا هم أهل مَكَّةَ، وإنْ قلنا: العذابُ هو عذابُ القبر، فالذين ظلموا عامٌّ في كل ظالم، انتهى.
ثم قال تعالى لنبيِّهِ: { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } أي: بمرأى ومنظر، نرى ونَسْمَعُ ما تقول، وأَنَّك في حفظنا وحيطتنا؛ كما تقول: فلان يرعاه المَلِكُ بعين، وهذه الآية ينبغي أَنْ يُقَرِّرَهَا كُلُّ مؤمن في نفسه؛ فإنها تُفَسِّحُ مضايق الدنيا.
وقوله سبحانه: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } قال أبو الأحوص: هو التسبيح المعروف، يقول في كل قيام: سبحان اللَّهِ وبحمدِهِ، وقال عطاء: المعنى حين تقومُ من كُلِّ مجلس.
* ت *: وفي تفسير أحمدَ بن نصر الداوودِيِّ قال: وعن ابن المُسَيِّبِ قال: حَقٌّ على كل مسلم أنْ يقول حين يقومُ إِلى الصلاة: سبحان اللَّهِ وبحمده؛ لقولِ اللَّه سبحانه لِنَبِيِّهِ { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ }، انتهى، وقال ابن زيد: هي صلاة النوافل، وقال الضَّحَّاكُ: هي الصلوات المفروضة، وَمَنْ قال هي النوافل جعلَ أدبار النجوم رَكْعَتَيِ الفجر، وعلى هذا القول جماعة كثيرة من الصحابة والتابعين، وقد رُوِيَ مرفوعاً، ومَنْ جعله التسبيحَ المعروفَ جعل قوله: { حِينَ تَقُومُ } مثالاً، أي: حين تقومُ وحينَ تَقْعُدُ، وفي كل تَصَرُّفِكَ، وحكى منذر عن الضَّحَّاكِ أَنَّ المعنى: حين تقومُ في الصلاة [بعد] تكبيرة الإحرام، فقل:
"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ" الحديثَ.