التفاسير

< >
عرض

إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ
٤
عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ
٥
ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ
٦
وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ
٧
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ
٨
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ
٩
فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ
١٠
-النجم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ } يراد به القرآن بإجماع.

* ت *: وليس هذا الإِجماع بصحيح، ولفظُ الثعلبيِّ { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ } أي: ما نُطْقُهُ في الدِّينِ إلاَّ بوحي، انتهى، وهو أحسن إِنْ شاء اللَّه، قال الفخر: الوحي اسم، ومعناه: الكتاب، أو مصدر وله معانٍ: منها الإرسال، والإِلهام، والكتابة، والكلام، والإِشارة، فإنْ قلنا: هو ضمير القرآن فالوحي اسم معناه الكتاب، ويحتمل أنْ يُقَالَ: مصدر، أي: ما القرآن إلاَّ إرْسَالٌ، أي: مُرْسَلٌ، وَإِنْ قلنا: المراد من قوله: { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ } قولُ محمد وكلامُه فالوحي حينئذ هو الإلهام، أي: كلامه مُلْهَمٌ من اللَّه أو مرسل، انتهى، والضمير في { عَلَّمَهُ } لنبِيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، والمُعَلِّمُ هو جبريل ـــ عليه السلام ـــ قاله ابن عباس وغيره، أي: عَلَّم محمداً القرآن، و{ ذُو مِرَّةٍ } معناه: ذو قُوَّة؛ قاله قتادة وغيره؛ ومنه قوله ـــ عليه السلام ـــ: "لاَ تَحِلَّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ، سَوِىّ" وَأصْلُ المِرَّةِ مِنْ مَرَائِرِ الْحَبْلِ، وهي فتله وإحكام عمله.

وقوله: { فَٱسْتَوَىٰ } قال الربيع والزَّجَّاج، المعنى: فاستوى جبريل في الجو، وهو إذ ذاك بالأفق الأعلى؛ إذ رآه رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بِحِراءَ، قد سَدَّ الأفق، له ستمائة جناحٍ، وحينئذ دنا من محمد ـــ عليه السلام ـــ حتى كان قابَ قوسين، وكذلك رآه نزلةً أخرى في صفته العظيمة، له ستمائة جناح عند السِّدْرَةِ.

وقوله: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } قال الجمهور: المعنى: دنا جبريل إلى محمد في الأرض عند حِرَاءَ، وهذا هو الصحيح أَنَّ جميع ما في هذه الآيات من الأوصاف هو مع جبريل، و{ دَنَا } أعمُّ من { تدلى } فَبَيَّنَ تعالى بقوله: { فَتَدَلَّىٰ } هيئَةَ الدُّنُوِّ كيف كانت، و{ قَابَ }: معناه: قَدْر، قال قتادة وغيره: معناه: من طرف العود إلى طرفه الآخر، وقال الحسن ومجاهد: من الوتر إلى العود في وسط القوس عند المِقْبَضِ.

وقوله: { أَوْ أَدْنَىٰ } معناه: على مقتضى نظر البشر، أي: لو رَآه أَحَدُكُمْ لقال في ذلك: قوسان أو أدنى من ذلك، وقيل: المراد بقوسين، أي: قَدْرَ الذراعين، وعن ابن عباس: أنَّ القوس في الآية ذراعٌ يُقَاسُ به، وذكر الثعلبيُّ أَنَّهَا لُغَةُ بعض الحجازيين.

وقوله تعالى: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } قال ابن عباس: المعنى: فأوحى اللَّهُ إلى عبده محمد ما أوحى، وفي قوله: { مَا أَوْحَىٰ } إبهام على جهة التفخيم والتعظيم؛ قال عياض: ولما كان ما كَاشَفَهُ ـــ عليه السلام ـــ من ذلك الجبروتِ، وشَاهَدَهُ من عجائب الملكوت، لا تُحِيطُ به العباراتُ، ولا تستقِلُّ بحمل سماع أدناه العقولُ ـــ رَمَزَ عنه تعالى بالإيماء والكناية الدَّالَّةِ على التعظيم، فقال تعالى: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ } وهذا النوع من الكلام يسميه أَهْلُ النقد والبلاغة بالوحي والإشارة، وهو عندهم أبلغ أبواب الإِيجاز، انتهى.