التفاسير

< >
عرض

أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ
٣٣
وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ
٣٤
أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ
٣٥
أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ
٣٦
وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ
٣٧
أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ
٣٨
-النجم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِى تَوَلَّىٰ... } الآية، قال مجاهد، وابن زيد، وغيرُها: نزلت في الوليد بن المغيرة المخزوميِّ؛ وذلك أَنَّهُ سَمِعَ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وَوَعْظَهُ فقرب من الإسلام، وطمع النبيُّ صلى الله عليه وسلم في إسلامه، ثم إنَّه عاتبه رجلٌ من المشركين، وقال له: أتتركُ مِلَّةَ آبائك؟ٰ ارجع إلى دينك، واثبت عليه، وأَنا أتَحَمَّلُ لك بكلِّ شيء تخافه في الآخرة، لكن على أَنْ تعطيني كذا وكذا من المال، فوافقه الوليد على ذلك، ورجع عَمَّا هَمَّ به من الإسلام، وأعطى بعضَ ذلك المالَ لذلك الرجل، ثم أمسك عنه وشَحَّ، فنزلت الآية فيه، وقال السُّدِّيُّ: نزلت في العاصي بن وائل؛ قال * ع *: فقوله: { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } على هذا ـــ هو في المال، وقال مقاتل في كتاب الثعلبيِّ: المعنى: أعطى الوليدُ قليلاً من الخير بلسانه، ثم { وَأَكْدَىٰ }، أي: انقطع ما أعطى، وهذا بَيِّنٌ من اللفظ، والآخر يحتاج إلى رواية، و{ تَوَلَّىٰ } معناه: أدبر وأعرض عن أمر اللَّه، { وَأَكْدَىٰ } معناه: انقطع عطاؤه، وهو مشبه بالذي يحفر في الأرض؛ فإنَّه إذا انتهى في حفر بئر ونحوه إلى كُدْيَةٍ، وهي ما صَلُبَ من الأرض ـــ يَئِسَ من الماء، وانقطع حفرُهُ، وكذلك أجبل إذا انتهى في الحفر إلى جبل، ثم قيل لمن انقطع: عمله أكدى وأجبل.

* ت *: قال الثعلبيُّ: وأصله من الكُدْيَةِ، وهو حجر في البئر يؤيس من الماء؛ قال الكسائِيُّ: تقول العرب: أَكْدَى الحَافَرُ وأَجْبَلَ: إذا بَلَغَ في الحَفْرِ إلى الكُدْيَةِ والجَبَلِ، انتهى.

وقوله عز وجل: { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } معناه: أَعَلِمَ من الغيب أَنَّ مَنْ تحمَّل ذنوبَ آخر انتفع بذلك المُتَحَمَّلُ عنه؛ فهو لهذا الذي علمه يرى الحق وله فيه بصيرة؟! أم هو جاهل، لم يُنَبَّأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وَفَّى بما أُرْسِلَ بِه، من أَنَّهُ لا تَزِرُ وازرة، أي: لا تحملُ حَامِلَةٌ حَمْلَ أخرى؛ وفي البخاري { وَإِبْرٰهِيمَ ٱلَّذِى وَفَّىٰ }: وَفَّىٰ ما فُرِضَ عليه، انتهى.