التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ
٤٢
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ
٤٣
وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا
٤٤
وَأَنَّهُ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ
٤٥
مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ
٤٦
وَأَنَّ عَلَيْهِ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ
٤٧
وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ
٤٨
وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٱلشِّعْرَىٰ
٤٩
وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً ٱلأُولَىٰ
٥٠
وَثَمُودَ فَمَآ أَبْقَىٰ
٥١
وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ
٥٢
وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ
٥٣
فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ
٥٤
-النجم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلْمُنتَهَىٰ } أي: مُنْتَهَى الخلق ومصيرُهم، اللَّهمَّ أطلعنا على خيرك بفضلك، ولا تفضحْنا بين خلقك، وجُدْ علينا بسترك في الدارين! وَحُقَّ لعبد يعلم أَنَّه إلى ربه منتهاه؛ أَنْ يرفض هواه؛ ويزهدَ في دنياه، ويُقْبِلَ بقلبه على مولاه؛ ويقتدي بنبيٍّ فَضَّلَهُ اللَّهُ على خلقه وارتضاه؛ ويتأمل كيف كان زهده صلى الله عليه وسلم في دنياه؛ وإِقباله على مولاه؛ قال عياض في «شفاه»: وأما زُهْدُهُ صلى الله عليه وسلم، فقد قدمنا من الأخبار أثناء هذه السيرة ما يكفي، وحَسْبُكَ من تقلُّله منها وإِعراضِهِ عَنْهَا وعن زَهْرَتِها، وقد سِيقَتْ إليه بحذافيرها، وترادفَتْ عليه فُتُوحَاتُهَا ـــ أَنَّهُ تُوُفِّيَ صلى الله عليه وسلم ودِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وهو يدعو، ويقول: «اللَّهُمَّ ٱجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتاً».

وفي «صحيح مسلم» عن عائشة ـــ رضي اللَّه عنها ـــ قالت: "ما شَبِعَ آلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ تِبَاعاً حَتَّىٰ مَضَىٰ لِسَبِيلِهِ" .

وعنها - رضي اللَّه عنها - قالت: "لَمْ يَمْتَلِىءْ جَوْفُ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِبَعاً قَطُّ، وَلَمْ يَبُثَّ شَكْوَىٰ إلَىٰ أَحَدٍ، وَكَانَتِ الْفَاقَةُ أَحَبَّ إلَيْهِ مِنَ الْغِنَىٰ، وَإِنْ كَانَ لَيَظَلُّ جَائِعاً يَلْتَوِي طُولَ لَيْلَتِهِ مِنَ الْجُوعِ، فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ صِيَامَ يَوْمِهِ، وَلَوْ شَاءَ سَأَلَ رَبَّهُ جَمِيعَ كُنُوزِ الأَرْضِ وَثِمَارِهَا وَرَغْدِ عَيْشِهَا، وَلَقَدْ كُنْتُ أَبْكِي لَهُ؛ رَحْمَةً مِمَّا أَرَىٰ بِهِ، وَأَمْسَحُ بِيَدِي عَلَىٰ بَطْنِهِ مِمَّا بِهِ مِنَ الْجُوعِ، وَأَقُولُ: نَفْسِ لَكَ الْفِدَاءُ لَوْ تَبَلَّغْتَ مِنَ الدُّنْيَا بِمَا يَقُوتُكَ! فَيَقُولُ: يَا عَائِشَةُ، مَا لِي وَلِلدُّنْيَا! إخْوَانِي مِنْ أُولي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ صَبَرُوا عَلَىٰ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ هٰذَا، فَمَضَوْا عَلَىٰ حَالِهِمْ، فَقَدِمُوا عَلَىٰ رَبِّهِمْ فَأَكْرَمَ مَآبَهُمْ، وَأَجْزَلَ ثَوَابَهُمْ، فَأَجِدُنِي أَسْتَحِيي إنْ تَرَفَّهْتُ فِي مَعِيشَتِي أنْ يُقَصِّرَ بِي غَداً دُونَهُمْ، وَمَا مِنْ شَيْءٍ هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنَ اللُّحُوقِ بإخْوَانِي وأَخِلاَّئِي، قَالَتْ: فَمَا أَقَامَ بَعْدُ إلاَّ أَشْهُراً حَتَّىٰ تُوُفِّيَ ـــ صلواتُ اللَّهُ وسَلاَمُهُ عليه ـــ" انتهى، وباقي الآية دَلالة على التوحيد واضحة، و{ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُخْرَىٰ }: هي إعادة الأجسام إلى الحشر بعد البِلَى، { وَأَقْنَىٰ } معناه: أَكْسَبَ ما يُقْتَنَى؛ تقول: قنيت المالَ، أي: كسبْته، وقال ابن عباس: { وَأَقْنَىٰ }: قنَّع، قال * ع *: والقناعة خير قُنْيَةٍ، والغِنَى عرض زائل، فَلِلَّهِ دَرُّ ابن عباس! و{ ٱلشِّعْرَىٰ }: نجم في السماء، قال مجاهد وابن زيد: هو مرزم الجَوْزاء، وهما شِعْرَيَانِ: إحداهما الغُمَيْصَاءُ، والأُخرى العَبُور؛ لأَنَّها عَبَرَتِ المجرَّةَ، وكانت خُزَاعَةُ مِمَّنْ يَعْبُدُ هذه الشعْرَى العَبُورَ، ومعنى الآية: وَأَنَّ اللَّه سبحانه رَبُّ هذا المعبودِ الذي لكم و{ عَاداً ٱلأُولَىٰ }: اختلف في معنى وصفها بالأُولى، فقال الجمهور: سُمِّيتْ «أولى» بالإضافة إلى الأمم المتأخِرة عنها، وقال الطبريُّ وغيره: سُمِّيتْ أولى؛ لأَنَّ ثَمَّ عاداً آخرةً، وهي قبيلة كانت بمكَّةَ مع العماليق، وهم بنو لقيم بن هزال، واللَّه أعلم، وقرأ الجمهور: «وَثَمُودَا» بالنصب؛ عطفاً على «عاداً» «وقومَ نوحٍ» عطفاً على «ثمود».

وقوله: { مِّن قَبْلُ } لأَنَّهم كانوا أَوَّلَ أُمَّة كَذَّبت من أهل الأرض، { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ }: قرية قومِ لوطٍ { أَهْوَىٰ } أي: طرحها من هواء عالٍ إلى سفل.