التفاسير

< >
عرض

تَنزِعُ ٱلنَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ
٢٠
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٢١
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٢٢
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ
٢٣
فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ
٢٤
أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
٢٥
سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ
٢٦
إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ
٢٧
وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ
٢٨
فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ
٢٩
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٠
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ
٣١
وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٣٢
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ
٣٣
إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ
٣٤
نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ
٣٥
وَلَقَدْ أَنذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْاْ بِٱلنُّذُرِ
٣٦
وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٧
وَلَقَدْ صَبَّحَهُم بُكْرَةً عَذَابٌ مُّسْتَقِرٌّ
٣٨
فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ
٣٩
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ
٤٠
وَلَقَدْ جَآءَ آلَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ
٤١
-القمر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { تَنزِعُ ٱلنَّاسَ } معناه: تقلعهم من مواضعهم قَلْعاً فتطرحهم، ورُوِيَ عن مجاهد أَنَّ الريحَ كانت تُلْقِي الرجلَ على رأسه؛ فيتفتت رأسُهُ وعُنُقُهُ، وما يلي ذلك من بدنه، قال *ع *: فلذلك حسن التشبيه بأعجاز النخل؛ وذلك أَنَّ المنقلع هو الذي ينقلع من قعره، وقال قوم: إنَّما شَبَّههم بأعجاز النخل؛ لأَنَّهُمْ كانوا يحتفرون حفراً ليمتنعوا فيها من الريح، فكأَنَّه شَبَّهَ تلك الحُفَرَ بعد النزع بحفر أعجاز النخل، والنَّخْلُ: تُذَكَّرُ وتُؤَنَّثُ، وفائدة تكرار قوله: { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ } التخويفُ وَهَزُّ النفوسِ، وهذا موجود في تَكْرَارِ الكلام؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ، أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ" ونحوه، و[قول] ثمود لصالح: { أَبَشَراً مِّنَّا وٰحِداً نَّتَّبِعُهُ }: هو حسد منهم، واستبعادٌ منهم أنْ يكونَ نوعَ البشر يفضل هذا التفضيلَ، ولم يعلموا أَنَّ الفضلَ بيدِ اللَّه يؤتيه مَنْ يشاء، ويفيض نورَ الهدى على مَنْ رَضيَهُ، وقولهم: { إِنَّا إِذاً لَّفِى ضَلَـٰلٍ } أي: في ذهاب وانتلاف عن الصواب، { وَسُعُرٍ } معناه: في احتراق أنفس واستعارها حنقاً، وقيل: في جنون؛ يقال: ناقة مسعورة إذا كانت خفيفةَ الرأس هائمةً على وجهها، والأَشَرُ: البَطَرُ، وقرأ الجمهور: { سَيَعْلَمُونَ } بالياء، وقرأ حمزة وحفص: «سَتَعْلَمُونَ» بالتاء من فوق؛ على معنى: قل لهم يا صالح.

ثم أمر اللَّه صالحاً بارتقاب الفَرَجِ والصبر.

* ت *: وقال الثعلبيُّ: { فَٱرْتَقِبْهُمْ } أي: انتظرهم؛ ما يصنعون، { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ } وبين الناقة، لها شِرْبٌ ولهم شِرْبٌ يوم معلوم، و{ مُّحْتَضَرٌ }: معناه: محضور مشهود متواسى فيه، وقال مجاهد: { كُلُّ شِرْبٍ } أي: من الماء يوماً ومن لبن الناقة يوماً محتضر لهم، فكأَنَّه أنبأهم بنعمة اللَّه سبحانه عليهم في ذلك، و{ صَـٰحِبَهُمْ }: هو قدار بن سالف، و{ تعاطى } مطاوع «عاطى» فكأَنَّ هذه الفعلة تدافعها الناس، وأعطاها بعضُهم بعضاً فتعاطاها هو، وتناول العَقْرَ بيده؛ قاله ابن عباس، وقد تقدم قَصَصُ القوم، و«الهشيم»: ما تفتَّت وتَهَشَّمَ من الأشياء، و{ ٱلْمُحْتَظِرِ }: معناه: الذي يصنع حظيرة، قاله ابن زيد وغيره، وهي مأخوذة من الحَظَرِ وهو المنع، والعرب وأهلُ البوادي يصنعونها للمواشي وللسُّكْنَى أيضاً من الأَغصان والشجر المُورِقِ، والقصب، ونحوه، وهذا كُلُّه هشيمٌ يتفتت، إمَّا في أَوَّل الصنعة، وإمَّا عند بِلى الحظيرة وتساقُطِ أجزائها، وقد تقدم قَصَصُ قوم لوط، والحاصب: مأخوذ من الحصباء.

وقوله: { فَتَمَارَوْاْ } معناه: تشككوا، وأهدى بعضُهم الشَّكَّ إلى بعض بتعاطيهم الشُّبَهِ والضلالِ، و{ ٱلنُّذُرُ }: جمع نذير، وهو المصدر، ويحتمل أَنْ يُرَادَ بالنذر هنا وفي قوله: { كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِٱلنُّذُرِ } ـــ جمع نذير، الذي هو اسم فاعل.

وقوله سبحانه: { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } قال قتادة: هي حقيقةً؛ جَرَّ جبريل شيئاً من جناحه على أعينهم فاستوت مع وجوههم، قال أبو عُبَيْدَةَ: مطموسة بجلدة كالوجه، وقال ابن عباس والضَّحَّاك: هذه استعارة؛ وإنَّما حجب إدراكهم فدخلوا المنزل ولم يروا شيئاً فجعل ذلك كالطمس.

وقوله: { بُكْرَةً } قيل: عند طلوع الفجر.

وقوله: { فَذُوقُواْ }: يحتمل أنْ يكون من قول اللَّه تعالى لهم، ويحتمل أَنْ يكونَ من قول الملائكة، وَنُذُرِي: جمع المصدر، أي: وعاقبة إنذاري، و{ مُّسْتَقِرٌّ } أي: دائم استقر فيهم حَتَّى يُفْضِيَ بهم إلى عذاب الآخرة، و { آلَ فِرْعَوْنَ }: قومه وأتباعه.