وقوله: { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كُلِّهَا } يحتمل أنْ يريد آل فرعونَ، ويحتمل أَنْ يكون قوله:
{ { وَلَقَدْ جَاءَ ءَالَ فِرْعَوْنَ ٱلنُّذُرُ } [القمر:41] ـــ كلاماً تامًّا ـــ، ثم يكون قوله: { كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا كُلِّهَا } يعود على جميع من ذُكِرَ من الأمم. وقوله تعالى: { أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ } خطاب لقريش على جهة التوبيخ.
وقوله: { أَمْ لَكُم بَرَاءَةٌ } أي: من العذاب { فِى ٱلزُّبُرِ } أي: في كتب اللَّه المُنَزَّلَةِ؛ قاله ابن زيد وغيره.
ثم قال تعالى لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم: { أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ }: واثقون بجماعتنا، منتصرون بقوَّتِنا على جهة الإعجاب؛ سَيُهْزَمُونَ، فلا ينفع جمعُهم، وهذه عِدَةٌ من اللَّه تعالى لرسوله أَنَّ جَمْعَ قريشٍ سَيُهْزَمُ، فكان كما وعد سبحانه؛ قال عمر بن الخطاب ـــ رضي اللَّه عنه ـــ: كنت أقول في نفسي: أَيُّ جَمْعٍ يُهْزَمُ؟! فَلَمَّا كان يومُ بدرٍ رأيتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وهو يقول: { سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ } والجمهور على أَنَّ الآية نزلت بِمَكَّةَ، وقول مَنْ زعم أَنَّها نزلت يومَ بدر ضعيف، والصواب أَنَّ الوعد نُجِّزَ يوم بدر، قال أبو حيان: { وَيُوَلُّونَ }: الجمهور بياء الغيبة، وعن أبي عمرو بتاء الخطاب، والدُّبُرُ: هنا اسم جنس، وحسن إفرادَهُ؛ كونُهُ فاصلةً، وقد جاء مجموعاً في آية أُخرى، وهو الأصل، انتهى.
ثم أضرب سبحانه تهميماً بأمر الساعة التي هي أَشَدُّ عليهم من كُلِّ هزيمة وقَتْلٍ، فقال: { بَلِ ٱلسَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ } و{ أَدْهَىٰ }: أفعل من الداهية، وهي الرَّزِيَّةُ العُظْمَى تنزل بالمرء، { وَأَمَرُّ } من المرارة.
* ت *: وقال الثعلبيُّ: الداهية الأَمَرُّ: الشديد الذي لا يُهْتَدَى للخلاص منه، انتهى.
ثم أخبر تعالى عن المجرمين أَنَّهم في الدنيا في حيرة وانتلاف، وفقد هدى، وفي الآخرة في احتراق وتسعُّر، وقال ابن عباس: المعنى: في خسران وجُنُونٍ، والسُّعُرُ: الجنون، وأكثر المفسرين على أَنَّ المجرمين هنا يُرَادُ بهم الكُفَّارُ، والسَّحْبُ: الجَرُّ.