التفاسير

< >
عرض

إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ
٤٩
وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ
٥٠
وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ
٥١
وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي ٱلزُّبُرِ
٥٢
وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ
٥٣
إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ
٥٤
فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ
٥٥
-القمر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { إِنَّا كُلَّ شَىْءٍ خَلَقْنَـٰهُ بِقَدَرٍ } قرأ جمهور الناس: { كُلَّ } بالنصب، وقالوا: المعنى: إنَّا خلقنا كُلَّ شيء بقدر سابق، وليست خلقنا في موضع الصفة لشيء، وهذا مذهب أهل السُّنَّةِ وهذا المعنى يقتضى أَنَّ كُلَّ شيء مخلوق إلاَّ ما قام عليه الدليل أَنَّه ليس بمخلوق؛ كالقرآن والصفات.

* ت *: قال الثعلبيُّ: قال ابن عباس: خَلَقَ اللَّه الخَلْقَ كُلَّهم بقدر، وَخَلَقَ الخيرَ والشَّرَّ، فخيرُ الخير: السعادةُ، وَشَرُّ الشَّرِّ: الشقاوة.

وقوله سبحانه: { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وٰحِدَةٌ } قال * ع *: أي: إلاَّ قولة واحدة، وهي «كن».

* ت *: قوله: إلاَّ قوله فيه قَلَقٌ ما، وكأَنَّه فَهِمَ أَنَّ معنى الآية راجع إلى قوله تعالى: { { إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَآ أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [النحل:40] وعبارة الثعلبيِّ: أي: وما أمر الساعة إلاَّ واحدة، أي: إلاَّ رجفة واحدة، قال أبو عبيد هي نعت للمعنى دون اللفظ، مجازه: وما أمرنا إلاَّ مرة واحدة كن فيكون { كَلَمْحٍ بِٱلْبَصَرِ }، أي: كخطف بالبصر، فقيل له: إنَّه يعني الساعةَ، فقال: الساعة وجميع ما يريد، انتهى، وكلام أبي عبيد عندي حَسَنٌ.

والأشياع: الفِرَقُ المتشابهة في مذهب، أو دين، ونحوهِ، الأَوَّلُ شيعةٌ للآخر، والآخرُ شيعة للأَوَّلِ، وكُلُّ شيء فعلته الأُمَم المُهْلَكَةُ في الزبر، أي: مكتوب محفوظ عليهم إلى يوم الحساب؛ قاله ابن عباس وغيره، و{ مُّسْتَطَرٌ } أي: مُسَطَّر، وقرأ الجمهور: و{ وَنَهَرٍ } ـــ بفتح النون والهاء ـــ؛ على أَنَّه اسم الجنس يريد به الأنهار، أو على أَنَّه بمعنى: وَسَعَةٍ في الأرزاق والمنازل، قال أبو حيان: وقرأ الأعمش «وَنُهُرٍ» ـــ بضم النون والهاء ـــ جمع نَهْرٍ؛ كـــ«رَهُنٍ» وَ«رَهْنٍ» انتهى.

وقوله تعالى: { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ } يحتمل أنْ يريدَ به الصّدقَ الذي هو ضِدُّ الكَذِبِ، أي: المقعد الذي صدقوا في الخبر به، ويحتمل أنْ يكون من قولك: عود صدق، أي: جيد، وَرَجُلٌ صِدْقٌ، أي: خير، والمليك المقتدر: اللَّه تعالى.

* ت *: وقال الثعلبيُّ: { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ } أي: في مجلس حَقٍّ لا لَغْوَ فيه ولا تأثيمَ، وهو الجنة عند مليك مقتدر، و{ عِندَ }: إشارة إلى القربة والرُّتْبَةِ، انتهى.

* ص *: قال أبو البقاء: { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ }: بدل من قوله: { فِي جَنَّـٰتٍ } انتهى، قال المُحَاسِبِيُّ: وإذا أخذ أهلُ الجنة مجالسَهم، واطمأنوا في مقعد الصدق الذي وعده اللَّه لهم، فهم في القُرْبِ من مولاهم سبحانه على قدر منازلهم عنده، انتهى من كتاب «التَّوَهُّمِ» ثم قال المُحَاسِبيُّ بإثْرِ هذا الكلام: فلو رأيتهم، وقد سمعوا كلامَ ربهم، وقد داخل قلوبَهم السرورُ، وقد بلغوا غايةَ الكرامة ومنتهى الرضا والغِبْطَةِ، فما ظَنُّك بنظرهم إلى العزيز العظيم الجليل الذي لا تقع عليه الأوهام؛ ولا تحيطُ به الأفهام، ولا تحده الفِطَنُ، ولا تكيِّفه الفِكَرُ، الأَزَلِيُّ القديم، الذي حارت العقول عن إدراكه، وكَلَّتِ الألسن عن كُنْهِ صفاته؟!انتهى.