التفاسير

< >
عرض

وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ
٦
وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ
٧
أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ
٨
وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ
٩
وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ
١٠
فِيهَا فَاكِهَةٌ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ
١١
وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ وَٱلرَّيْحَانُ
١٢
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
١٣
-الرحمن

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَٱلنَّجْمُ وَٱلشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } قال ابن عباس وغيره: النجم: النباتُ الذي لا ساقَ له. قال * ع *: وسُمِّيَ نَجْماً؛ لأَنَّه نَجَمَ، أي: ظَهَر، وهو مناسب للشجر نسبةً بَيِّنَةً، وقال مجاهد وغيره: النجم: اسم الجنس من نجومِ السماءِ: قال * ع *: والنسبة التي لها من السَّمَاءِ هي التي للشَّجَرِ من الأرض؛ لأَنَّهُمَا في ظاهرهما، وسُمِّيَ الشَّجَرَ؛ من اشتجار غصونه، وهو تداخُلُها، قال مجاهد: وسجودُهُمَا عبارةٌ عن التذلُّلِ والخضوعِ.

وقوله سبحانه: { وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ }: يريد به العدل؛ قاله أكثرُ الناسَ.

وقوله: { أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِى ٱلْمِيزَانِ } وقوله: { وَأَقِيمُواْ ٱلْوَزْنَ بِٱلْقِسْطِ }، وقوله: { وَلاَ تُخْسِرُواْ ٱلْمِيزَانَ } يريد به الميزانَ المعروفَ وأَلاَّ هو بتقدير لئلاَّ، أو مفعول من أجله، وفي مصحف ابن مسعود: «لاَ تَطْغَوا في المِيزَانِ» وقرأ بلال بن أبي بُردَةَ: «تَخْسِرُوا» ـــ بفتح التاء وكسر السين ـــ؛ من خَسَرَ، ويقال: خَسَرَ وَأَخْسَرَ بمعنى نَقَصَ، وأفسد؛ كَجَبَرَ وأَجْبَرَ.

والأنام: قال الحسن بن أبي الحَسَنِ: هم الثقلان، الإنْسُ والْجِنُّ، وقال ابن عباس، وقتادة وابن زيد والشَّعْبِيُّ: هم الحيوانُ كلُّه.

{ وَٱلنَّخْلُ ذَاتُ ٱلأَكْمَامِ } وذلك أَنَّ طَلْعَهَا في كُمٍّ وفروعَها أيضاً في أكمامٍ مِنْ ليفِهَا، والكُمُّ من النَّبَاتِ: كلُّ ما ٱلْتَفَّ عَلَىٰ شَيْءٍ وَسَتَرَهُ: ومنه كمائم الزَّهْرِ، وبه شُبِّهَ كُمُّ الثوب.

{ وَٱلْحَبُّ ذُو ٱلْعَصْفِ }: هو الْبُرُّ والشَّعِيرُ وما جرى مجراه، قال ابن عباس: العَصْفُ: التِّبْنُ، واخْتُلِفَ في الرَّيْحَان، فقال ابن عَبَّاس وغيره: هو الرِّزْق، وقال الحسن: هو رَيْحَانُكُمْ هذا، وقال ابن زيد وقتادة: الريحانُ هو كُلُّ مشمومٍ طَيِّبٍ، قال * ع *: وفي هذا النوع نعمة عظيمة، ففيه الأزهار، والمِنْدَلُ والعقاقير، وغير ذلك، وقرأ الجمهور: «وَالرَّيْحَانُ» بالرفع؛ عطفاً على «فاكهة» وقرأ حمزة والكسائيُّ: «وَالرَّيْحَانِ» بالخفض؛ عطفاً على «العَصْف»، فـــ«الريحان» على هذه القراءة: الرزق، ولا يدخل فيه المشمومُ إلاَّ بتكَلُّفٍ، و«ريحان» أصله «رَوْحَان»؛ فهو من ذوات الواو؛ و«الآلاء»: النِّعَمُ، والضمير في قوله: { رَبِّكُمَا } للجن والإنس اللَّذَيْن تضمَّنهما لفظُ الأَنامِ، وأيضاً ساغ تقديمُ ضميرهما عليهما؛ لذكر الإنسان والجانِّ عَقِبَ ذلك، وفيه اتساع، وقال منذر بن سَعِيدٍ: خُوطِبَ مَنْ يعقِلُ؛ لأَنَّ المخاطبة بالقرآن كُلِّه هي للإنس والجن، وعن جابر قال: "قرأ علينا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ الرَّحْمٰن، حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: مَالي أَرَاكُمْ سُكُوتاً؟! لَلْجِنُّ كَانُوا أَحْسَنَ رَدًّا مِنْكُمْ؛ مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الآيةَ مِنْ مَرَّةٍ: { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } إلاَّ قَالُوا: لاَ بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبّنَا نُكَذِّبُ" .