التفاسير

< >
عرض

يَسْأَلُهُ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
٢٩
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٠
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ ٱلثَّقَلاَنِ
٣١
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٢
يٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ مِنْ أَقْطَارِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ فَٱنفُذُواْ لاَ تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ
٣٣
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٤
يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنتَصِرَانِ
٣٥
فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ
٣٦
-الرحمن

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { يَسْأَلُهُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي: مِنْ مَلَكٍ، وإنس، وجنٍّ، وغيرهم، لا غِنَىٰ لأحد منهم عنه سبحانه، كُلُّهم يَسْأَله حاجَتَهُ، إمَّا بلسانِ مقاله، وإمَّا بلسانِ حاله.

وقوله سبحانه: { كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِى شَأْنٍ } أي: يُظْهِرُ شأناً من قدرته التي قد سبقت في الأَزَلِ في ميقاته من الزمان، من إحياءٍ وإماتةٍ، ورِفْعَةٍ وخَفْضٍ، وغيرِ ذلك من الأمور التي لا يعلم نهايتها إلاَّ هو سبحانه، و«الشأن»: هو اسم جنس للأمور، قال الحسين بن الفضل: معنى الآية: سَوْقُ المقادير إلى المواقيت؛ وفي الحديث: "أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هٰذِهِ الآيَةَ، فَقِيلَ لَهُ: مَا هٰذَا الشَّأْنُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: يَغْفِرُ ذَنْبَاً، وُيُفَرِّجُ كَرْباً، وَيَرْفَعُ قَوْماً، وَيَضَعُ آخَرِينَ" وذكر النَّقَّاش أَنَّ سبب هذه الآيةِ قولُ اليهود: ٱسْتَرَاحَ اللَّهُ يَوْمَ السَّبْتِ، فَلاَ يُنَفِّذُ فِيهِ شَيْئاً.

وقوله تعالى: { سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا ٱلثَّقَلاَنِ }: عبارة عن إتيان الوقت الذي قَدَّرَ فيه، وقَضَىٰ أَنْ ينظرَ في أُمور عباده، وذلك يوم القيامة، وليس المعنى: أَنَّ ثَمَّ شغلاً يتفرَّغ منه؛ إذْ لا يشغله سبحانه شأنٌ عن شأن، وإنَّما هي إشارةُ وعيدٍ وتهديدٍ، قال البخاريُّ: وهو معروفٌ في كلام العرب؛ يقال: لأَفْرُغَنَّ لَكَ، وما به شُغُلٌ، انتهى، و{ ٱلثَّقَلاَنِ }: الإِنس والجن؛ يقال: لكل ما يَعْظُمُ أمرُه: ثَقَلٌ، وقال جعفرُ بْنُ محمَّدٍ الصَّادِقُ: سُمِّيَ الإنْسُ والجِنُّ ثَقَلَيْنِ؛ لأَنَّهما ثَقُلاَ بالذنوبِ، قال * ع *: وهذا بارعٌ ينظر إلَىٰ خلقهما من طين ونار، واختلف الناسُ في معنى قوله تعالى: { إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُواْ... } الآية: فقال الطبريُّ: قال قوم: المعنى: يُقَالُ لهم يومَ القيامة: { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنِ ٱسْتَطَعْتُمْ... } الآية، قال الضَّحَّاك: وذلك أَنَّهُ يَفِرُّ الناسُ في أقطار الأرض، والجِنُّ كذلك؛ لما يَرَوْنَ من هول يوم القيامة، فيجدون سَبْعَةَ صفوف من الملائكة، قد أحاطَتْ بالأرض، فيرجعون من حيثُ جاؤوا، فحينئذٍ يقال لهم: { يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ }، وقال بعض المفسِّرين: هي مخاطبةٌ في الدنيا، والمعنى: إنِ ٱستطعتم الفِرَارَ مِنَ المَوْتِ بأنْ تَنْفُذُوا من أقطار السمٰوات والأرض، فٱنفذوا.

* ت *: والصوابُ الأول.

وقوله: { فَٱنفُذُواْ }: صيغة أمر، ومعناه: التعجيز، و«الشُّوَاظُ»: لَهَبُ النار؛ قاله ابن عباس وغيره، قال أبو حَيَّان: الشُّوَاظُ: هو اللهب الخالصُ بغَيْرِ دُخَانٍ، انتهى، و«النُّحَاسُ»: هو المعروف؛ قاله ابن عباس وغيره، أي: يُذَابُ ويُرْسَلُ عليهما، ونحوه في البخاريِّ، قال * ص *: وقال الخليل: «النُّحَاسُ» هنا هو: الدُّخَانُ الذي لا لَهَبَ له، ونقله أيضاً أبو البقاء وغيره، انتهى.