التفاسير

< >
عرض

ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ
١٤
عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ
١٥
مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ
١٦
يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ
١٧
بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ
١٨
لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلاَ يُنزِفُونَ
١٩
وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ
٢٠
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ
٢١
وَحُورٌ عِينٌ
٢٢
كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ
٢٣
جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
٢٤
لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً
٢٥
-الواقعة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } الثُّلَّةُ: الجماعة، قال الحسن بن أبي الحسن وغيره: المراد: السابقون من الأمم والسابقون من هذه الأُمَّةِ، ورُوِيَ أَنَّ الصحابة حَزِنُوا لِقِلَّةِ سابقي هذه الأُمَّةِ على هذا التأويل، فنزلت الآية: { { ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَخِرِينَ } [الواقعة:39-40] فَرَضُوا، ورُوِيَ عن عائشة أَنَّها تأوَّلَتْ: أَنَّ الفرقتين في أُمَّةِ كُلِّ نبيٍّ هي في الصدر ثلة وفي آخر الأمة قليل، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: "الفِرْقَتَانِ في أُمَّتِي، فَسَابِقُ أَوَّلِ الأُمَّةِ ثُلَّةٌ، وَسَابِقُ سَائِرِهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قليلٌ" قال السهيليُّ: وَأَمَّا آخِرُ مَنْ يدخل الجنة، وهو آخِرُ أهل النار خروجاً منها، فرجل اسمه جُهَيْنَةُ، فيقول أهل الجنة: تعالوا نسأَله فعند جهينةَ الخبر اليقين، فيسألونه: هل بَقِيَ في النار أَحَدٌ بعدك مِمَّنْ يقول: لا إلٰه إلا اللَّه؟ وهذا حديث ذكره الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق مالك بن أنس، يرفعه بإسناد إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكره في كتاب رواة مالك بن أنس ـــ رحمه اللَّه ـــ، انتهى.

وقوله تعالى: { عَلَىٰ سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ } أي: منسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض، كحلق الدِّرْعِ، ومنه وَضِينُ الناقة وهو حِزَامُهَا؛ قال ابن عباس: { مَّوْضُونَةٍ }: مرمولة بالذهب، وقالَ عِكْرَمَةُ: مُشَبَّكَةٌ بالدُّرِّ والياقوت { يَطُوفُ عَلَيْهِمْ }: للخدمة { وِلْدٰنٌ }: وهم صغار الخَدَمَةِ، ووصفهم سبحانه بالخلد، وإنْ كان جميعُ ما في الجنة كذلك، إشارةً إلى أَنَّهُم في حال الولدان مُخَلَّدُونَ، لا تكبر لهم سِنٌّ، أي: لا يحولون من حالة إلى حالة؛ وقاله ابن كيسان، وقال الفَرَّاء: { مُّخَلَّدُونَ } معناه: مقرطون بالخلدات وهي ضرب من الأقراط والأَوَّلُ أصوب، لأَنَّ العربَ تقول للذي كَبُرَ ولم يَشِبْ: إِنَّهُ لَمُخَلَّدٌ، والأكواب: ما كان من أواني الشرب لا أَذُنَ له ولا خُرْطُومَ، قال قتادة: ليست لها عُرًى، والإبريق: ماله خرطوم، والكأس: الآنية المُعَدَّةُ للشرب بشريطةِ أَنْ يكونَ فيها خمر، ولا يقال لآنية فيها ماء أو لبن كأس.

وقوله: { مِّن مَّعِينٍ } قال ابن عباس: معناه من خمر سائلة جارية معينة.

وقوله: { لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا } ذهب أكثر المفسرينَ إلى أَنَّ المعنى: لا يلحق رءوسَهم الصداعُ الذي يَلْحَقُ من خمر الدنيا، وقال قوم: معناه: لا يفرقون عنها بمعنى لا تقطعُ عنهم لَذَّتُهُمْ بسببٍ من الأسباب، كما يفرق أهل خمر الدنيا بأنواعٍ من التفريق، { وَلاَ يُنزِفُونَ } معناه: لا تذهب عقولُهم سكراً؛ قاله مجاهد وغيره، والنزيف: السكران، وباقي الآية بَيِّنٌ، وَخصَّ المكنون باللؤلؤ؛ لأَنه أصفى لوناً وأبعدُ عن الغير، وسألتْ أُمُّ سَلَمَةَ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذَا التَّشْبِيهِ، فَقَالَ: "صَفَاؤُهُنَّ كَصَفَاءِ الدُّرِّ في الأَصْدَافِ الَّذِي لاَ تَمَسُّهُ الأَيْدِي" و{ جَزَاءَ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } أي: إنَّ هذه الرتبَ والنعيمَ هي لهم بحسب أعمالهم؛ لأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ المنازل والقسم في الجنة هي مقتسمة على قَدْرِ الأعمال، ونَفْسُ دخول الجنة هو برحمة اللَّه وفضله، لا بعمل عامل؛ كما جاء في الصحيح.