التفاسير

< >
عرض

إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً
٢٦
وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ
٢٧
فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ
٢٨
وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ
٢٩
وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ
٣٠
وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ
٣١
وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
٣٢
لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ
٣٣
وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ
٣٤
إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً
٣٥
فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً
٣٦
عُرُباً أَتْرَاباً
٣٧
لأَصْحَابِ ٱلْيَمِينِ
٣٨
-الواقعة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { إِلاَّ قِيلاً سَلَـٰماً سَلَـٰماً } قال أبو حيان: «إلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً» الظاهر أَنَّ الاستثناءَ مُنْقَطِعٌ؛ لأَنَّهُ لا يَنْدَرِجُ في اللغو والتأثيم، وقيل مُتَّصِلٌ، وهو بعيد، انتهى، قال الزَّجَّاجُ: و{ سَلاَماً } مصدر، كأَنَّهُ يذكر أَنَّهُ يقول بعضهم لبعض: سلاماً سلاماً.

* ت *: قال الثعلبيُّ: والسِّدْرُ: شجر النَّبْقِ و{ مَّخْضُودٍ } أي: مقطوع الشوك، قال * ع *: ولأهل تحرير النظر هنا إشارةٌ في أَنَّ هذا الخضد بإزاء أعمالهم التي سلموا منها؛ إذ أهل اليمين تَوَّابُونَ لهم سلام، وليسوا بسابقين، قال الفخر: وقد بان لي بالدليل أَنَّ المراد بأصحاب اليمين: الناجون الذين أذنبوا وأسرفوا، وعفا اللَّه تعالى عنهم بسبب أدنى حَسَنَةٍ؛ لا الذين غلبت حسناتُهُم وكَثُرَتْ، انتهى.

والطلح (من العِضَاهِ) شَجَرٌ عظيم، كثيرُ الشوك، وصفه في الجنة على صفة مباينة لحال الدنيا، و{ مَّنْضُودٍ } معناه: مُرَكَّبٌ ثمره بعضُه على بعض من أرضه إلى أعلاه، وقرأ علي ـــ رضي اللَّه عنه ـــ وغيره: «وَطَلْعٍ» فقيل لعليِّ: إنَّما هو: «وطَلْحٍ» فقال: ما للطلح والجنة؟! قيل له: أَنُصْلِحُهَا في المصحف؟ فقال: إنَّ المصحفَ اليومَ لا يُهَاجُ ولا يُغَيِّرُ. وقال عليُّ أيضاً وابن عباس: الطلح الموز، والظل الممدود: معناه: الذي لا تنسخه شمس، وتفسير ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الْجَنَّةِ شَجْرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَاد المُضَمَّر في ظِّلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَقْطَعْها" ، وَاقْرَءُوا إنْ شِئْتُمْ: { وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ }، إلى غير هذا من الأحاديث في هذا المعنى.

* ت *: وفي «صحيحي البخاريِّ ومسلم» عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجَنَّةِ شَجْرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ في ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ لاَ يَقْطَعُهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ في الجَنَّةِ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أوْ تَغْرُبُ" انتهى.

{ وَمَاءٍ مَّسْكُوبٍ } أي: جارٍ في غير أُخْدُودٍ.

{ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ } أي: لا مقطوعة بالأزمان كحال فاكهة الدنيا، ولا ممنوعةٌ بوجه من الوجوه التي تمتنع بها فاكهةُ الدنيا، والفُرُشُ: الأَسِرَّةُ؛ وعن أبي سعيد الخُدْرِيِّ: إنَّ في ارْتِفَاعِ السَّرِيرِ مِنْهَا مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ سَنَةٍ.

* ت *: وهذا إنْ ثبت فلا بُعْدَ فيه، إذْ أحوال الآخرة كلها خَرْقُ عادة، وقال أبو عبيدةَ وغيره: أراد بالفرش النساء، و{ مَّرْفُوعَةٍ } معناه: في الأقدار والمنازل، و{ أَنشَأْنَـٰهُنَّ } معناه: خلقناهن شيئاً بَعْدَ شيء؛ وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم في تفسير هذه الآية: "هُنَّ عّجائِزُكُنَّ في الدُّنْيَا عُمْشاً رُمْصاً جَعَلَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ أَتْرَاباً" ، وَقَالَ لِلْعَجُوزِ: "إنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا الْعَجُوزُ، فَحَزِنَتْ، فَقَالَ: إنَّكِ إذَا [دَخَلْتِ الْجَنَّةَ أُنْشِئْتِ خَلْقاً آخَرَ" .

وقوله سبحانه: { فَجَعَلْنَـٰهُنَّ أَبْكَـٰراً } قيل: معناه: دائمة البكارة، متى عاود الوطء] وجدها بكراً، والعُرُبُ: جمع عَرُوبٍ، وهي المُتَحَبِّبَةُ إلى زوجها بإِظهار محبته؛ قاله ابن عباس، وعبر عنهنَّ ابن عباس أيضاً بالعواشق، وقال زيد: العروب: الحسنة الكلام.

* ت *: قال البخاريُّ: والعروب يسميها أَهْلُ مَكَّةَ العَرِبَةَ، وأهل المدينة: الغَنِجَة، وأَهل العراق: الشَّكِلَة، انتهى.

وقوله: { أَتْرَاباً } معناه: في الشكل والقَدِّ، قال قتادة: { أَتْرَاباً } يعني: سِنًّا واحدة، ويُرْوَى أَنَّ أَهل الجنة هم على قَدِّ ابن أربعةَ عَشَرَ عاماً في الشباب، والنُّضْرَةِ، وقيل: على مثال أبناء ثلاثٍ وثلاثين سنةً، مُرْداً بيضاً، مُكَحَّلِينَ، زاد الثعلبيُّ: على خَلْقِ آدَم، طولُه ستون ذراعاً في سبعة أذرع.