وقوله سبحانه: {أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ} الآية: وليس يوجد مفطورٌ، يخفى عليه أَنَّ المَنِيَّ الذي يخرُجُ منه ليس له فيه عمل ولا إرادة ولا قدرة، وقرأ الجمهور: «قَدَّرْنَا» وقرأ ابن كثير وحده: «قَدَرْنَا» بتخفيف الدال، فيحتمل أَنْ يكونَ المعنى فيهما: قضينا وأثبتنا، ويحتمل أَنْ يكون بمعنى: سَوَّيْنَا، قال الثعلبيُّ عنِ الضحاك: أي: سَوَّيْنَا بين أهل السماء وأهل الأرض.
وقوله: {وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} أي: على تبديلكم إنْ أردناه، وأَنْ نُنْشِئَكُمْ بأوصاف لا يصلها علمُكُم، ولا يُحيطُ بها فكركم، قال الحسن: من كونهم قردةً وخنازيرَ؛ لأَنَّ الآية تنحو إلى الوعيد، و{ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ}: قال أكثر المفسرين: إشارة إلى خلق آدم، وقيل: المراد: نشأة الإنسان في طفولته، وهذه الآية نَصٌّ في استعمال القياس والحَضِّ عليه، وعبارة الثعلبي: ويقال: {ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ} نطفة، ثم عَلَقَةٌ، ثم مُضْغَةٌ، ولم يكونوا شيئاً {فَلَوْلا} أي: فهلا تذكرون أَنِّي قادر على إعادتكم كما قَدَرْتُ على إبدائكم، وفيه دليل على صِحَّةِ القياس؛ لأَنَّهُ عَلَّمَهُمْ سبحانه الاستدلال بالنشأة الأولى على النشأة الأُخْرَى، انتهى.