التفاسير

< >
عرض

وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ
١١٩
وَذَرُواْ ظَٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْسِبُونَ ٱلإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ
١٢٠
وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَٰدِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ
١٢١
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ... } الآية: «ما»: ٱستفهامٌ يتضمَّن التقريرَ، { وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ }، أي: فصَّل الحرامَ من الحلالِ، وٱنتزعه بالبيانِ، و «ما» في قوله: { إِلاَّ مَا ٱضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ }، يريد بها: مِنْ جميع ما حَرَّم؛ كالميتة وغيرها، وهي في موضع نَصْب بالاستثناء، والاستثناءُ منقطعٌ.

وقوله سبحانه: { وَإِنَّ كَثِيراً } يريد الكفرة المحادِّين المجادلين، ثم توعَّدهم سبحانه بقوله: { إِنَّ رَّبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُعْتَدِينَ }.

وقوله جلَّت عظمته: { وَذَرُواْ ظَـٰهِرَ ٱلإِثْمِ وَبَاطِنَهُ } ـــ نهْيٌ عامٌّ، والظاهرُ والباطنُ: يستوفيان جميع المعاصي، وقال قوم: الظاهر: الأعمالُ، والباطنُ: المعتَقَد، وهذا أيضاً حسن؛ لأنه عامٌّ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده، عن أبي أُمَامة، قال: "سَأَلَ رجُلٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم: مَا الإثْمُ؟ قَالَ: مَا حَكَّ فِي صَدْرِكَ، فَدَعْهُ" ، وروى ابن المبارك أيضاً بسنده؛ أنَّ رجلاً قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِي مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عَلَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ ذَلِكَ يَسْكُتُ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ: أَنَا ذَا، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَنْكَرَ قَلْبُكَ، فَدَعْهُ" . انتهى، وقد ذكرنا معناه مِنْ طرُقٍ في غير هذا الموضعِ، فأغنَىٰ عن إعادته.

ثم توعَّد تعالى كَسَبَةَ الإثمِ بالمجازاةِ علَىٰ ما ٱكتسبوه من ذلك، والاقترافُ: الاكتساب.

وقوله سبحانه: { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ... } الآية: مقصد الآية النهْيُ عن الميتة؛ إذ هي جواب لقول المشركين: تَتْرُكُونَ ما قَتَلَ اللَّهُ، ومع ذلك، فلفظها يعمُّ ما تُرِكَتِ التسميةُ عليه من ذبائِحِ الإسلام، وبهذا العمومِ تعلَّق ابن عمر وابنُ سيرينَ والشَّعْبِيُّ وغيرهم؛ فقالوا: ما تُرِكَتِ التسميةُ علَيْه، لم يؤكَلْ، عمداً كان أونسياناً، وجمهورُ العلماء على أنه يؤكل إن كان تركُها نسياناً؛ بخلاف العَمْدِ، وقيل: يؤكل، سواءٌ تركَتْ عمداً أو نسياناً، إلا أنْ يكون مستخِفًّا.

وقوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ... } الآية: قال عكرمة: هم مَردَةُ الإنس من مجوسِ فَارِس، وذلك أنهم كانوا يوالُونَ قُرَيْشاً على عداوة النبيِّ صلى الله عليه وسلم: { لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ }؛ من قريش { لِيُجَـٰدِلُوكُمْ }؛ بقولهم: تأكلون ما قَتَلْتُمْ ولا تأكلون ما قَتَلَ اللَّه؛ فذلك من مخاطبتهمْ هو الوحْيُ، والأولياء هم قريشٌ، وقال ابن زَيْد وعبد اللَّه بن كثير: بل الشياطينِ الجِنُّ، واللفظة على وجْهها، وأولياؤهم: كَفَرة قريش، ووحْيُهم بالوسوسة، وعلى ألسنة الكُهَّان.

ثم نهى سبحانه عن طاعتهم بلفظ يتضمَّن الوعيدَ وعرض أصعب مثالٍ في أن يشبه المؤمن بالمُشْرك، قال ابن العربيِّ: قوله تعالى: { وَإِنَّ ٱلشَّيَـٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ }، سمَّى اللَّه تعالَىٰ ما يقع في القلوبِ في الإلهام وحياً، وهذا مما يطلقه شيوخُ المتصوِّفة، وينكره جُهَّال المتوسِّمين بالعلْمِ، ولم يعلموا أن الوحْيَ على ثمانيةِ أقسامٍ، وأن إطلاقه في جميعها جائزٌ في دِينِ اللَّه. انتهى من «أحكام القرآن».