التفاسير

< >
عرض

يَٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ
١٣٠
ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَٰفِلُونَ
١٣١
وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ
١٣٢
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ... } الآية: هذا الكلامُ داخلٌ في القول يَوْمَ الحشر.

قال الفَخْر: قال أهل اللغة: المَعْشَر: كلُّ جماعةٍ أَمْرهم واحدٌ، وتَحْصُلُ بينهم معاشرةٌ ومخالطةٌ، فالمَعْشَر: المُعَاشِر. انتهى، و { مِّنكُمْ }: يعني: مِنَ الإنس؛ قاله ابن جُرَيْج وغيره، وقال ابن عباس: من الطائفَتَيْنِ، ولكنْ رسلُ الجِنِّ هم رُسُلِ الإنسِ، وهم النُّذُر، و { يَقُصُّونَ }: من القَصَص، وقولهم: { شَهِدْنَا }: إقرار منهم بالكفر.

وقوله سبحانه: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا }: ٱلتفاتة فصيحةٌ تضمَّنت أنَّ كفرهم كان بأذَمِّ الوجوه لهم، وهو الاغترار الذي لا يواقعه عاقلٌ، ويَحْتَمِلُ { غَرَّتهم }؛ أنْ يكون بمعنى: أشبعتهم وأطغتهم بحَلْوَائها؛ كما يقال: غَرَّ الطَّائِرُ فَرْخَهُ.

وقوله سبحانه: { وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَـٰفِرِينَ }: الجمع بيْنَ هذه الآية وبَيْن الآي التي تقتضي إنكار المشركين الإشْرَاكَ هو إمَّا بأنها طوائفُ، وإما بأنها طائفةٌ واحدةٌ في مواطنَ شَتَّىٰ.

وقوله: { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ }، أي: ذلك الأمر، و { ٱلْقُرَىٰ }: المُدُن، والمراد: أهل القُرَىٰ، و { بِظُلْمٍ }: يحتمل معنيين:

أحدهما: أنه لم يكُنْ سبحانه لِيُهْلِكَهم دون نِذَارة، فيكون ظُلْماً لهم، واللَّه تعالَىٰ ليس بظلاَّم للعبيد.

والآخر: أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ لم يُهْلِكْهم بظلمٍ واقعٍ منهم دون أنْ ينذرهم، وهذا هو البيِّن القويُّ، وذكر الطبري (رحمه اللَّه) التأويلين.

وقوله سبحانه: { وَلِكُلٍّ دَرَجَـٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ... } الآية: إخبارٌ من اللَّه سبحانه أنَّ المؤمنين في الآخرة على درجاتٍ من التفاضُل بحَسَب أعمالهم، وتفضُّل المولَىٰ سبحانه عليهم، ولكنْ كلٌّ راضٍ بما أعطِيَ غايةَ الرضا، والمشركون أيضاً علَىٰ دركاتٍ من العذابِ، قلتُ: وظاهر الآية أن الجنَّ يثابون وينالُونَ الدَّرَجَاتِ والدَّرَكَاتِ، وقد ترجم البخاريُّ على ذلك، فقال: ذِكْر الجنِّ وثَوَابِهِم وعقابِهِم؛ لقوله تعالى: { يَـٰمَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ... } الآية، إلى قوله: { وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ... }، قال الداووديُّ: قال الضحاكُ: مِنَ الجنِّ مَنْ يدخل الجنَّة، ويأكل ويشرب. انتهى.