التفاسير

< >
عرض

قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
١٥١
وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّىٰ يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ بِٱلْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَبِعَهْدِ ٱللَّهِ أَوْفُواْ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
١٥٢
وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
١٥٣
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً }: هذا أمر من اللَّه عزَّ وجلَّ لنبيِّه ـــ عليه السلام ـــ أنْ يدعو جميع الخَلْق إلى سماع تلاوة ما حَرَّم اللَّه بشَرْع الإسلام المبعوثِ به إلى الأسود والأحمر، و { مَا } نصبَتْ بقوله: { ٱتْلُ }، وهي بمعنى «الَّذِي»، و «أنْ»، في قوله: { أَلاَّ تُشْرِكُواْ } في موضع رفع، التقدير: الأمر أنْ، أو ذَاكَ أنْ، وقال كعب الأحبار: هذه الآية هي مفتتحُ التوراة: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ...» إلى آخر الآيات، وقال ابن عباس: هذه الآيات هي المحْكَمَات المذْكُورة في آل عمران، ٱجتمعت عليها شرائعُ الخَلْقِ، ولم تنسخ قطُّ في ملة، وقد قيل: إنها العَشْر الكلمات المنزَّلة على موسَىٰ، والإملاق: الفَقْر وعدَمُ المال؛ قاله ابن عباس وغيره، قال القُشَيْريُّ: خوفُ الفقر قرينةُ الكفر، وحُسْنُ الثقةِ بالرَّبِّ سبحانه نتيجةُ الإِيمان. انتهى من «التحبير».

وقوله سبحانه: { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ ٱلْيَتِيمِ إِلاَّ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }، قال مجاهد: { ٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }: التجارة فيه، والأَشُدُّ هنا: الحَزْمُ والنظرُ في الأمور وحُسْنُ التصرُّف فيها، وليس هذا بالأَشُدِّ المقرونِ بالأربعين، بل هذا يكون مع صِغَر السِّنِّ في ناسٍ كثيرٍ.

وقوله سبحانه: { وَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ }: أمر بالاعتدال.

وقوله سبحانه: { لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا }: يقتضي أن هذه الأوامر إنما هِيَ فيما يقع تَحْتَ قُدْرة البَشَر من التحفُّظ والتحرُّز.

وقوله تعالَىٰ: { وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ }: يتضمَّن الشهاداتِ والأحكامَ والتوسُّطَ بيْنَ الناسِ وغيْرَ ذلك، أي: ولو كان ميل الحقِّ علَىٰ قراباتكم.

وقوله سبحانه: { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ }: الإشارة بـ { هَـٰذَا } هي إلى الشرعِ الذي جَاءَ بِهِ نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقال الطبريُّ: الإشارة هي إلى هذه الوصايا التي تقدَّمت مِنْ قوله: { قُلْ تَعَالَوْاْ }، وقال ابن مسعود: إن اللَّه سبحانه جَعَلَ طريقه صراطاً مستقيماً طرفه محمَّد صلى الله عليه وسلم وشرعه، ونهايتُه الجنَّة، وتتشعَّب منه طُرُقٌ، فمن سَلَك الجادَّة نجا، ومن خَرَج إلى تلْكَ الطرُقِ أفْضَتْ به إلى النَّار، وقال أيضاً: خطَّ لنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً خطًّا، فَقَالَ: "هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ" ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِ ذَلِكَ وَعَنْ شِمَالِهِ خُطُوطاً، فَقَالَ: "هَذِهِ سُبُلٌ عَلَىٰ كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إلَيْهَا" ، ثم قرأ هذه الآية.

قال * ع *: وهذه الآية تعمُّ أهل الأهواء والبِدَع والشُّذُوذ في الفُرُوع وغير ذلك من أهل التعمُّق في الجَدَلِ، والخَوْضِ في الكلامِ، هذه كلُّها عُرْضَة للزَّلَل، ومَظِنَّة السوء المعتقَدِ، و { لَعَلَّكُمْ } ترجٍّ بحسبنا، ومن حيث كانَتِ المحرَّمات الأوَلُ لا يقع فيها عاقلٌ قد نظر بعَقْله، جَاءَتِ العبارةُ: { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }، والمحرَّمات الأُخَرُ شهواتٌ، وقد يقع فيها من العقلاءِ مَنْ لم يتذكَّر، وركوبُ الجادَّة الكاملة يتضمَّن فعل الفضائلِ، وتلك درجةُ التقوَىٰ.