التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ
١
هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَىۤ أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ
٢
-الأنعام

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله تعالَىٰ: { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ }.

قال علي بن عبد الرحمن اليفرني في شرحه لـ «البرهانية»: قال الإمام الفَخْرُ: لفظ الحمد مُعَرَّفاً لا يُقَالُ إلا في حَقِّ اللَّه عز وجل؛ لأنه يدلُّ على التعظيم، ولا يجوز أن يقال: الحمد لِزَيْدٍ. قاله سيبويه.

وذكر ابن العَرَبِيِّ في «القانون» عن أنس؛ أن النبيِ صلى الله عليه وسلم قال: "ما مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إلى اللَّهِ مِنَ الحَمْدَ، وأَبْلَغُ الحَمْدِ الحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ" .

قال ابن العربي: وفي بعض الآثار: "ما من نِعْمَةٍ عَظْمَتْ إلا والحمد للَّه أعْظَمُ منها" . انتهى.

قال * ع *: و { جَعَلَ } هاهنا بمعنى: «خلق»، ولا يجوز غَيْرُ ذلك.

قال قتادة، والسُّدِّيُّ؛ وجمهور من المفسرين: الظلمات الليل، والنور النهار.

وقالت فرقة: الظُّلمات الكُفْرُ، والنور الإيمان.

قال * ع *: وهذا على جهة التَّشْبِيهِ صحيح، وعلى ما يفهمه عُبَّادُ الأوثان غير جيد؛ لأنه إخراج لَفْظ بين في اللغة عن ظاهره الحقيقي إلى بَاطِنٍ لغير ضَرُورَةٍ، وهذا هو طريق اللُّغْزِ الذي بَرِىءَ القُرْآنُ منه، والنور أيضاً هنا لِلْجِنْسِ.

وقوله تعالى: { ثُمَّ } دالة على قُبْحِ فعل الذين كَفَرُوا؛ لأن المعنى: أن خلقه السَّمَوَاتِ والأَرْض، وغيرها الموجبة لحمده، وتوحيده قد تقرر، وآياته قد سَطَعَتْ، وإنعامه بِذَلِكَ على العباد قد تَبَيَّنَ، فكان الواجب عليهم إخْلاَصَ التوحيد له، ثم هم بعد هذا كله بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ؛ أي: يُسَوّون، ويمثلون، وعدل الشيء قرينه ومَثِيلُهُ.

و { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } في هذا المَوْضِعِ كل من عَبَدَ شَيْئاً سوى اللَّه إلا أن السَّابِقَ من حال النبي صلى الله عليه وسلم أن الإشَارَةَ إلى عَبَدَةِ الأوثان من العرب؛ لمجاورتهم له، ولفظ الآية أيضاً يشير إلى المَانَوِيَّةِ العابدين للنور، القائلين: إن الخَيْرَ من فِعْلِ النور، والشر من فِعْلِ الظلام.

وقوله تعالى: { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ } فالمعنى: خَلَقَ آدم من طِينٍ.

وقوله سبحانه: { ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ } اختلف في هذين الأَجَلَيْنِ، فقال الحسن بن أبي الحَسَنِ وغيره: { أَجَلاً } أَجَلُ الإنسان من لَدُنْ وِلاَدَتِهِ إلى موته، والأجل المسمى عنده من وَقْت موته إلى حَشْره، ووصفه بـ { مُّسمًّى عِندَهُ }؛ لأنه استأثر ـــ سبحانه ـــ بعِلْمِ وَقْتِ القيامة. وقال ابن عباس: { أَجَلاً } الدنيا، { وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } الآخرة.

وقيل غير هذا.

{ وتمْتَرُونَ } معناه: تشكون.