التفاسير

< >
عرض

لاَّ يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوۤاْ إِلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ
٨
إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُواْ عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ
٩
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَٱمْتَحِنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى ٱلْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُواْ بِعِصَمِ ٱلْكَوَافِرِ وَاسْأَلُواْ مَآ أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُواْ مَآ أَنفَقُواْ ذَلِكُمْ حُكْمُ ٱللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
١٠
وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُواْ ٱلَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِّثْلَ مَآ أَنفَقُواْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ
١١
-الممتحنة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { لاَّ يَنْهَـٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمْ يُقَـٰتِلُوكُمْ... } الآية: اختلف في هؤلاء الذين لم يَنْهَ عنهم أنْ يُبَرُّوا، فقيل: أراد المؤمنين التاركين للهجرة، وقيل: خُزَاعَةَ وقبائلَ من العرب، كانوا مظاهرين للنبي صلى الله عليه وسلم ومُحِبِّينَ لظهوره، وقيل: أراد النساءَ والصبيان من الكَفَرَةِ، وقيل: أراد مِنْ كُفَّارِ قريش مَنْ لم يقاتلْ ولا أخرج، ولم يُظْهِرْ سُوءاً؛ وعلى أَنَّها في الكفار فالآية منسوخةٌ بالقتال، والذين قاتلوا في الدين وأخرجوهم هم مَرَدَةُ قريش.

وقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا جَاءَكُمُ ٱلْمُؤْمِنَـٰتُ مُهَـٰجِرٰتٍ } الآيةُ نزلَتْ إثرَ صلح الحديبية؛ وذلك أَنَّ ذلك الصلحَ تَضَمَّنَ أَنَّ مَنْ أتى مُسْلِماً من أهل مَكَّةَ، رُدَّ إليهم، سَواءٌ كان رجلاً أو امرأةً، فَنَقَضَ اللَّهُ تعالى من ذلك أَمْرَ النساء بهذه الآية، وحكم بأَنَّ المهاجرة المؤمنةَ لا تُرَدُّ إلى دار الكُفْرِ، و { فَٱمْتَحِنُوهُنَّ }: معناه: جربوهن واستخبروا حقيقةَ ما عندهنَّ.

وقوله تعالى: { ٱللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَـٰنِهِنَّ } إشارة إلى الاسترابة ببعضهنَّ.

* ت *: وقوله تعالى: { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَـٰتٍ... } الآية: العلم هنا: بمعنى الظن، وذكر اللَّه تعالى العِلَّةَ في أَلاَّ يُرَدَّ النساءُ إلى الكُفَّارِ وهو امتناعُ الوطء وحُرْمَتُهُ.

وقوله تعالى: { وَءَاتُوهُم مَّا أَنفَقْتُمْ... } الآية: أمر بأَنْ يؤتى الكُفَّارُ مهورَ نسائهم التي هاجرنَ مؤمناتَ، ورفع سبحانه الجناحَ في أَنْ يتزوجنَ بصدقاتٍ هي أجورهِن، وأمر المسلمين بفراق الكافراتِ وأَلاَّ يتمسكوا بعصمهن، فقيل: الآية في عابداتِ الأوثان ومَنْ لا يجوزُ نكاحُها ابتداءً، وقيل: هي عامَّةٌ نُسِخَ منها نساءُ أهل الكتاب، والعِصَمُ: جمع عِصْمَة، وهي أسباب الصحبة والبقاء في الزوجية، وأمر تعالى أَنْ يسأل أيضاً المؤمنون: ما أنفقوا؟ فرُوِيَ عنِ ابن شهاب أَنَّ قريشاً لَمَّا بلغهم هذا الحكم، قالوا: نحن لا نرضى بهذا الحكم، ولا نَلْتَزِمُهُ، ولا ندفع لأحد صَدَاقاً، فنزلت بسبب ذلك هذه الآيةُ الأخرى: { وَإِن فَاتَكُمْ شَىْءٌ مِّنْ أَزْوٰجِكُمْ إِلَى ٱلْكُفَّـٰرِ... } الآية: فأمر اللَّه تعالى المؤمنين أنْ يدفعوا إلى مَن فَرَّتْ زوجتُه ففاتتْ بنفسها إلى الكُفَّارِ صَدَاقَهُ الذي أنفق، واخْتُلِفَ: مِنْ أَيِّ مَالٍ يُدْفَعُ إليه الصَّدَاقُ؟ فقال ابن شهاب: يُدْفَعُ إليه من الصدقات التي كانت تُدْفَعُ إلى الكفار بسبب مَنْ هاجر من أزواجهم، وأزال اللَّه دفعها إليهم حين لم يرضوا حكمه، قال * ع *: وهذا قول صحيح يقتضيه قوله: { فَعَـٰقَبْتُمْ } وقال قتادة وغيره: يُدْفَعُ إليه من مغانم المغازي، وقال هؤلاء: التعقيب هو الغزو والمغنم، وقال ابن شهاب أيضاً: يدفع إليه مِنْ أيِّ وجوه الفيء أمكن، والمعاقبة في هذه الآية ليستْ بمعنى مجازاة السوء بسوءٍ، قال الثعلبي: وقرأ مجاهد: «فَأَعْقَبْتُمْ» وقال: المعنى: صنعتم بهم كما صنعوا بكم، انتهى، قال * ع *: أي: وذلك بأنْ يفوت إليكم شيء من أزواجهم، وهكذا هو التعاقب على الجَمَلِ والدَّوَابِّ أنْ يركبَ هذا عقبة وهذا عقبة، ويقال: عاقب الرجلُ صاحِبَه في كذا، أي: جاء فِعْلُ كُلِّ واحد منهما بعقب فعل الآخر، وهذه الآيةُ كُلُّها قدِ ارتفع حكمها.