التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلاَدِكُمْ عَدُوّاً لَّكُمْ فَٱحْذَرُوهُمْ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
١٤
إِنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَٱللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
١٥
-التغابن

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِنَّ مِنْ أَزْوٰجِكُمْ } إلى آخر السورةِ قرآنٌ مدنيٌّ واخْتُلِفَ في سَبَبهِ، فقال عطاء بن أبي ربَاح: إنَّه نَزَلَ في عَوْفِ بن مَالكٍ الأشّجَعِيِّ؛ وذلك أَنَّهُ أراد غَزْواً مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم، فاجْتَمَعَ أَهْلُهُ وأولاده، وتَشَكَّوْا إلَيْه فِرَاقَهُ، فَرَقَّ لهُمْ فَثَبَّطُوهُ ولم يَغْزُ، ثم إنّه نَدِمَ وهَمَّ بمعاقبتِهم، فنزلتِ الآية بسببه محذِّرةً مِن الأَزْوَاجِ والأولاد وفتنتِهم. ثم صَرَفَ تَعالَى عَنْ معاقبتهِم بقوله: { وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ } وقال بعضُ المفسرينَ: سببُ الآيةِ أنَّ قوماً آمنُوا وثَبَّطَهُمْ أزْوَاجُهم وأولادُهم عَنْ الهِجرةِ فَلَمْ يُهَاجِروا إلا بَعْدَ مدةٍ، فَوَجَدُوا غيرَهم قد تَفَقَّه في الدين، فَنَدِمُوا وهَمُّوا بمعاقبةِ أزواجِهِم وأولادِهم، ثم أَخْبَرَ تعالى أن الأمْوَالَ والأولادَ فتنةٌ تَشْغَلُ المرءَ عَنْ مَرَاشِدِهِ، وتَحْمِلُه مِنَ الرَّغْبَةِ في الدنيا عَلَى مَا لاَ يَحْمَدُه في آخرتِه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "الوَلَدُ مَبْخَلَةٌ مُجْبَنَةٌ" ، وخَرَّجَ أبو داود حديثاً في مصنفه "أنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجمعةِ عَلى المِنْبَرِ حَتَّى جَاءَ الحَسَنُ والحسينُ عليهما قميصان أحمرانَ يجرانِهما، يعْثُرَانِ ويَقُومَانِ، فَنَزَلَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنِ المنبرِ حَتَّى أخَذَهُمَا، وصَعِدَ بِهِمَا، ثم قَرَأَ: { إِنَّمَا أَمْوٰلُكُمْ وَأَوْلَـٰدُكُمْ فِتْنَةٌ... } الآية، وقَال: إني رأيتُ هذينِ فَلَمْ أصْبِرْ، ثم أخَذَ في خُطْبَتِهِ" ، قال * ع *: وهذهِ ونحوُها هِي فتنةُ الفُضَلاَءِ، فأما فتنةُ الجُهَّالِ الفَسَقَةِ؛ فَمُؤَدِّيَةٌ إلى كلِ فعلٍ مُهْلِكٍ، وفي صَحِيحَي البخاري ومسلم، عن أبي ذرٍ قال: انتهيتُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُول: "هم الأخْسَرُونَ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، هُمُ الأخْسَرُونَ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ، قُلْتُ: مَا شَأْنِي أيرى فيَّ شَيْئاً؟ فَجَلَسْتُ وَهُوَ يَقُولُ؛ فَمَا ٱسْتَطَعْتُ أنْ أسْكُتَ وتَغَشَّانيَ مَا شَاء اللَّهُ فَقُلْتُ: مَنْ هُمْ بأبي أنتَ وأمي يا رسولِ اللَّهِ؟ قال: هُمُ الأكْثَرُونَ مَالاً إلاَّ مَنْ قَالَ هَكَذَا وهَكَذَا وَهَكَذَا" وفي رواية: "إن الأَكْثَرينَ هم الأقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ مَنْ قَال بِالمَالِ، هَكَذَا وهَكَذَا، ـــ وأشَارَ ابنُ شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وعن يمينه وعَنْ شماله ـــ، وقَلِيلٌ مَاهُمْ" انتهى، واللفظ للبخاريّ.