التفاسير

< >
عرض

ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ
١٠
وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ
١١
وَمَرْيَمَ ٱبْنَتَ عِمْرَانَ ٱلَّتِيۤ أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَانِتِينَ
١٢
-التحريم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ... } الآية، هذَانِ المَثَلاَنِ اللذانِ للكفارِ والمؤمنينَ معناهما: أنَّ مَنْ كَفَرَ لا يُغْنِي عنه مِنَ اللَّهِ شيءٌ ولا ينفعُه سَبَبٌ، وإنَّ مَنْ آمنَ لا يدفعُه عَنْ رِضْوَانِ اللَّهِ دافعٌ وَلُوْ كَانَ في أسوأِ مَنْشَأٍ وأخسِّ حالٍ، وقول من قال: إنَّ في المَثَلَيْنِ عبرةٌ لأَزْوَاجِ النبي صلى الله عليه وسلم بعيدٌ. قال ابن عباس وغيره: «خَانَتَاهُمَا»: أي في الكُفْرِ، وفي أن امرأةَ نوحٍ كانَتْ تقول للناس: إنَّه مجنُونٌ وأن امرأةَ لوطٍ كَانَتْ تَنُمُّ إلى قَوْمِها خَبَر أضْيَافِه، قال ابن عباس: وَمَا بَغَتْ زَوْجَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، وامرأة فرعون اسمُها آسية، وقولها: { وَعَمَلِهِ } تعني كُفْرَهُ ومَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ.

وقوله: { ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا } الجمهورُ أنه فَرْجُ الدِّرْعِ، وقال قوم: هو الفَرْجُ الجَارِحَةُ وإحْصَانُه صَوْنُه.

وقولُه سبحانه: { فَنَفَخْنَا فِيهِ } عبارةٌ عَنْ فِعل جبريلَ، * ت *: وقد عَكَسَ ـــ رحمه اللَّه ـــ نَقْلَ ما نَسَبَهُ للجمهورِ في سورةِ الأنبياءِ فقال: المَعْنَى واذْكُرِ الَّتي أحصنتْ فَرْجَها وهو الجارِحَة المعروفةُ، هذا قولُ الجمهورِ، انظر بقيةَ الكلامِ هناك.

وقوله سبحانه: { مِن رُّوحِنَا } إضافةُ مخلوقٍ إلى خالقٍ، ومملوك إلى مالكٍ، كما تقول بَيْتُ اللَّهِ، ونَاقَةُ اللَّهِ، وكذلك الرُّوحُ الجنسُ كلُّه هو روح اللَّه، وقرأ الجمهور: { وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَـٰتِ رَبَّهَا } بالجَمْعِ فَيُقَوِّي أنْ يريدَ التوراةَ، ويحتملُ أنْ يريدَ أمْرَ عيسَى، وَقَرَأ الجحدري: «بِكَلِمِة» فَيُقَوِّي أنْ يريدَ أمْرَ عيسى، ويحتملُ أنْ يريدَ التوراةَ، فتكونُ الكلمةُ اسْمُ جنسٍ، وقرأ نافع وغيره: «وكِتَابِهِ» وقرأ أبو عمرو وغيره: «وَكُتُبِهِ» ـــ بضم التاء ـــ وَالجَمْعِ، وذلك كلَّه مرادٌ بهِ التوراةُ والإنْجِيلُ، قال الثعلبيُّ: واختار أبو حاتم قراءةَ أبي عمرٍو بالجَمْعِ لعمومِها، واختار أبو عبيدة قِراءَة الإفْرَادِ؛ لأن الكتَابَ يُرَادُ به الجنسُ، انتهى؛ وهو حَسَنٌ، { وَكَانَتْ مِنَ ٱلْقَـٰنِتِينَ } أي: من القوم القانتينَ؛ وهم المطيعونَ العابِدونَ، وقد تقدَّم بيانُه.