التفاسير

< >
عرض

كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ
٣٣
إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ
٣٤
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ
٣٥
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
٣٦
أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ
٣٧
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ
٣٨
أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ
٣٩
سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ
٤٠
أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ
٤١
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ
٤٢
خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَٰلِمُونَ
٤٣
-القلم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { كَذَلِكَ ٱلْعَذَابُ } أي: كَفِعْلِنَا بأهْلِ الجنةِ نَفْعَلُ بِمَنْ تعدَّى حدودَنا.

{ وَلَعَذَابُ ٱلأَخِرَةِ أَكْبَرُ } أي: أعْظَم مما أصَابَهُمْ، إنْ لَمْ يَتُوبُوا في الدنيا.

ثم أخْبَر تعالى بـ{ إِنَّ لِّلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ } فَرُوِيَ أنه لما نزلت هذه الآيةُ قَالَتْ قريشٌ: إنْ كَانَ ثَمَّ جَنَّاتِ نعيمٍ فَلَنَا فِيها أكْبَرُ الحَظِّ، فنزلتْ { أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ } الآية؛ تَوْبِيخاً لهم.

{ أَمْ لَكُمْ كِتَـٰبٌ } مُنَزَّلٌ من عندِ اللَّهِ تَدْرُسُونَ فيه أنَّ لَكُمْ مَا تَخْتَارُونَ مِنَ النعيمِ، فـ{ إِنَّ } معمولة لـ{ تَدْرُسُونَ } وكُسِرَتِ الهمزَةُ مِنْ { إِنَّ } لدخولِ اللامِ في الخبرِ، وهي في معنى (أن) ـــ بفتح الألِف ـــ وقرىء شاذاً: «أنَّ لَكُمْ» بالفتح، وقرأ الأعرج: «أنّ لَكُمْ فِيهِ» على الاستفهام، ثم خَاطَب تعالى الكفارَ بقولهِ: { أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا بَـٰلِغَةٌ } كأنه يقُولُ هل أقْسَمْنَا لكم قَسَماً فهو عَهْدٌ لكم بأنَّا نُنَعِّمُكُمْ في يومِ القيامة، وما بعدَه، وقرأ الأعرج: «آن لكم لما تحكمون» على الاستفهامِ، أيضاً.

{ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذٰلِكَ زَعِيمٌ } أي: ضَامِنٌ * ت *: قال الهروي: وقوله: { أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا بَـٰلِغَةٌ } أي مُؤكَّدَة، انتهى.

وقوله تعالى: { فَلْيَأتُواْ بِشُرَكَائِهِمْ } قيل: هو استدعاءٌ وتوقيفٌ في الدنيا، أي: لِيُحْضِرُوهُم حَتَّى يُرَى هلْ هُمْ بحالِ مَنْ يَضُرُّ وينفعُ أم لا؟ وقيلَ: هو استدعاءٌ وتوقيف على أن يأتوا بهم يومَ القيامةِ { يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ } وقرأ ابن عباس: «تُكْشَفُ» ـــ بضم التاء ـــ على مَعْنَى: تُكْشَفُ القيامةُ والشدةُ والحالُ الحاضرة، وقرأ ابن عباس أيضاً: «تَكْشِفُ» ـــ بفتح التاء ـــ على أنَّ القيامةَ هي الكاشِفَةُ، وهذه القراءة مفسِّرَة لقراءَةِ الجماعةِ، فما وَرَدَ في الحديثِ والآيةِ مِنْ كَشْفِ الساقِ فهو عبارة عَنْ شدةِ الهول.

وقوله ـــ جلت عظمته ـــ: { وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ } وفي الحديثِ الصحيحِ: "فَيَخِرُّونَ للَّهِ سُجّداً أجْمَعونَ ولا يبقى أحَدٌ كَانَ يسجدُ في الدنيا رياءً ولا سمعةً ولاَ نِفَاقاً إلا صَارَ ظهرُهُ طَبَقاً وَاحِداً؛ كُلَّما أرَادَ أنْ يَسْجُدَ خَرَّ على قفاه" ، الحديثَ، وفي الحديثِ: "فَيَسْجُدُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، وَتَرْجِعُ أصْلاَبُ المُنَافِقِينَ والكُفَّارِ، كَصَيَاصِي البَقَرِ، عَظْماً وَاحِداً؛ فَلا يَسْتَطِيعُونَ سُجُودًا" الحديث.

وقوله تعالى: { وَقَدْ كَانُواْ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ } يريد في دَارِ الدنيا، { وَهُمْ سَـٰلِمُونَ } مما نالَ عَظَامَ ظهورِهم مِنَ الاتِّصَال والعُتُوِّ.