التفاسير

< >
عرض

فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ
٨
وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ
٩
وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ
١٠
هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ
١١
-القلم

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { فَلاَ تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ } يعني: قريشاً، وذلك أنهم قَالُوا في بعضِ الأوْقَاتِ للنبي صلى الله عليه وسلم: لَوْ عَبَدْتَ آلهتَنَا وعَظَّمْتَها لَعَبَدْنَا إلٰهك وعظمناه، وَوَدُّوا أنْ يُدَاهِنَهم النبي صلى الله عليه وسلم ويميلَ إلى مَا قالوا، فَيمِيلُوا هُمْ أيضاً إلى قَولهِ ودِينِهِ، والإدْهَانُ الملايَنَةُ فيما لاَ يَحِلُّ، والمُدَارَاةُ الملاينة فيما يحل.

وقوله: { فَيُدْهِنُونَ } معطوفٌ وليس بجَوابٍ، لأنَّه لَوْ كَانَ لَنُصِبَ، والحلاّفُ المردِّد لِحَلفِهِ الذي قد كثرَ منه، والمُهينُ الضَّعِيفُ الرأيِ، والعَقْلِ؛ قاله مجاهد، وقال ابن عباس: المهينُ الكذَّابُ، والهمَّازُ الذي يَقَعُ في النّاسِ بلسَانِه، قال منذر بن سعيد: وبعَيْنِهِ وإشارَتِه، والنَّمِيمُ مَصْدَرٌ كالنَّمِيمَةِ، وهو نَقْلَ مَا يَسْمَعُ مما يسوءُ ويُحَرِّشُ النفوسَ، قال أبو عمر بن عبد البر في كتابهِ المسمَّى بـ«بهجةِ المجالس» قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَفَّ عَنْ أعْرَاضِ المُسْلِمِينَ لِسَانَه؛ أقَالَه اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَثَرَتَه" ، وقال ـــ عليه الصَّلاةُ والسَّلام ـــ: "شِرَارُكُمْ أيُّهَا النَّاسُ المشَّاؤُونَ بالنَّمِيمَةِ، المُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، البَاغُونَ لأَهْلِ البِرِّ العَثَرَاتِ" انتهى، ورَوَى حذيفةُ أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَتَّاتٌ" ، وهو النَّمَّامُ، وذَهَبَ كثيرٌ مِنَ المفسِّرِينَ إلى أنَّ هذهِ الأوْصَافَ هي أجْنَاس لَمْ يُرَدْ بها رجلٌ بعينهِ، وقالت طائفة: بَلْ نزلت في معيَّنٍ، واختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو الوليدُ بن المغيرةِ، وقيل هو: الأخْنَسُ بن شريق، ويؤيد ذلكَ أنه كانَتْ له زَنَمَةٌ في حَلْقِه كَزَنَمَةِ الشَّاةِ، وأيضاً فكانَ من ثَقِيفٍ مُلْصَقاً في قُرَيْشٍ، وقيل: هو أبو جهلٍ، وقيل: هو الأسودُ بن عَبْدِ يَغُوثَ، قال * ع *: وظاهرُ اللفظ عمومُ مَنِ اتَّصَفَ بهذهِ الصفاتِ، والمخاطبَةُ بهذا المعنى مستمرة بَاقِيَ الزَّمانِ، لا سيما لِوُلاَةِ الأُمور.