التفاسير

< >
عرض

فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ
٥
وَأَمَا عَادٌ فَأُهْلِكُواْ بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ
٦
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ
٧
فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ
٨
وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُ وَٱلْمُؤْتَفِكَاتُ بِالْخَاطِئَةِ
٩
فَعَصَوْاْ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَّابِيَةً
١٠
إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ
١١
لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ
١٢
فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ
١٣
وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً
١٤
فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ
١٥
وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ
١٦
وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ
١٧
-الحاقة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } قال قتادة: معناه: بالصَّيْحَةِ التي خَرَجَتْ عن حدِّ كل صيحةٍ، وقيل: المعنى بسَبَبِ الفِئَةِ الطاغيةِ، وقيل: بسببِ الفعلة الطاغية، وقال ابن زيد ما معناه: الطاغيةُ مصدرٌ كالعَاقِبة، فكأنه قال بطُغيانهم؛ وقاله أبو عبيدة، وَيُقَوِّي هذا قوله تعالى: { كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } [الشمس:11] وأوْلَى الأقوال وأصوبُها الأوَّلُ، وباقي الآيةِ تقدم تفسيرُ نظيرهِ، وما في ذلك من القصص، والعَاتِيَةُ: معناه الشديدةُ المخالِفَة، فكانت الريحُ قد عَتَتْ على خُزَّانِها بخلافِها، وعلى قومِ عادٍ بشدتها، ورُوِيَ عن عليٍّ وابن عباس أنهما قَالا: لَمْ ينزلْ من السماء قطرةُ ماءٍ قط إلا بمكيالٍ عَلَى يدِ مَلَكٍ، ولا هبتْ ريحٌ إلاَّ كذلك؛ إلاَّ ما كَانَ مِنْ طوفانِ نوحٍ، وريحِ عادٍ، فإنَّ اللَّه أَذِنَ لهما في الخروج دونَ إذْنِ الخُزَّانِ، و{ حُسُوماً }: قال ابن عباس وغيره: معناه كَامِلَةً تِبَاعاً لم يتخللْها غيرُ ذلك، وقال ابن زيد: { حُسُوماً } جمعُ حَاسِمٍ، ومعناه أنَّ تلكَ الأَيامَ قطعَتْهُم بالإهلاكِ، ومنه حَسَمَ العِلَلَ، ومنه الحُسَامُ، والضميرُ في قوله: { فِيهَا صَرْعَىٰ } يُحتملُ عُوْدُه على الليالي والأيامِ، ويُحْتَمَلُ عودُه على ديارِهم، وقيل: على الريح، * ص *: «ومن قِبَلَه» النْحويانِ وعاصمٌ في روايةٍ ـــ بكَسْرِ القافِ وفَتْحِ الباء ـــ أي: أجنادُه وأهلُ طاعتهِ، وقرأ الباقون: «قَبْلَه» ظَرْفَ زمانٍ، انتهى.

وقوله: { بِالْخَاطِئَةِ } صفةٌ لمحذوفٍ، أي: بالفعلةِ الخاطئةِ، والـ«رابية» النَّامِيَة التي قد عَظُمَتْ جِدًّا، ومنه رِبَا المالِ، ومنه { ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ } [ٍالحج:5]، ثم عدد تعالى على الناس نِعَمَه في قوله: { إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَاءُ } يعني في وقتِ الطوفانِ الذي كانَ على قومِ نوح، و{ ٱلْجَارِيَةِ } سفينةُ نوحٍ؛ قاله منذر بن سعيد، والضميرُ في: { لِنَجْعَلَهَا } عائِدٌ على الجاريةِ أو على الفعلة.

وقوله تعالى: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وٰعِيَةٌ }: عبارةٌ عن الرجلِ الفَهِمِ المُنَوَّرِ القلبِ الذي يسمعُ القرآنَ؛ فيتلقاه بِفَهْمٍ وتدبُّرٍ، قال أبو عمران الجوني: { وٰعِيَةٌ } عَقَلَتْ عَنِ اللَّهِ تعالى، وقال الثعلبيُّ: المعنى: لِتَحْفَظَهَا كلُّ أذُنٍ فتكونَ عِظَةً لِمَنْ يأتي بعدُ، تقول وَعَيْتَ العِلْمَ إذا حَفِظْتَه، انتهى، ثم ذَكَّر تعالى بأمر القيامةِ، وقرأ الجمهور: «وَحُمِلَتْ» بتخفيفِ الميمِ بمعنى: حَمَلَتْهَا الريحُ أو القدرةُ، و{ دُكَّتَا } معناه سُوِّيَ جميعُها، وانشقاقُ السماءِ هو تَفَطُّرُهَا وتميُّزُ بعضِها من بعضٍ، وذلك هو الوَهْيُ الذي ينالُها، كما يقال في الجدرات الباليةِ المتشققةِ واهيةٌ، والملَكُ اسْمُ الجنسِ يريدُ به الملائكةَ، وقال جمهور من المفسرين: الضميرُ في { أَرْجَائِهَا } عائدٌ على السَّمَاءِ أي: الملائِكَة على نَوَاحِيهَا، والرَّجَا الجَانِبُ مِنْ البئر أو الحائط؛ ونحوه، وقال الضحاكُ وابنُ جبير وغيرهما: الضميرُ في: { أَرْجَائِهَا } عائدٌ عَلى الأرْضِ، وإنْ كان لم يتقدم لها ذكرٌ قريبٌ؛ لأنَّ القصةَ واللفظَ يَقْتَضِي إفهَام ذلك، وفَسَّرُوا هذه الآيةَ بما رُوِيَ من أن اللَّه تعالى يأمر ملائِكَةَ سَمَاءِ الدنيا، فيقفونَ صَفًّا على حَافَّاتِ الأرضِ، ثم يأمرُ ملائكة السماءِ الثانية؛ فَيَصُفُّونَ خلفَهم، ثم كذلك ملائكةُ كُلّ سماءٍ، فكلما نَدَّ أحدٌ من الجنِ أو الإنسِ، وَجَدَ الأرضَ قد أُحِيطَ بها، قالوا: فهذا تفسير هذه الآية؛ وهو أيضاً معنى قوله: { { وَجَاءَ رَبُّكَ وَٱلْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً } [الفجر:22] وهو تفسير: { { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ * يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } [غافر:32-33] على قراءةِ من شَدَّدَ الدال، وهو تفسيرُ قوله: { { يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإِنْسِ... } [الرحمن:33] واختلفَ الناسُ في الثمانيةِ الحاملينَ للعرشِ، فقال ابن عباس: هي ثمانيةُ صفوفٍ مِنَ الملائكة لا يَعْلَم أَحَدٌ عِدَّتَهم، وقال ابن زيدِ: هُمْ ثمانيةُ أمْلاَكٍ على هيئةِ الوُعُولِ، وقال جماعة من المفسرين: هم على هيئة الناسِ أرجلُهم تَحْتَ الأرْضِ السابعةِ، ورؤوسهم وكواهلهم فَوْقَ السماءِ السابعةِ، قال الغَزَّالِيُّ في «الدرة الفاخرة»: هم ثمانيةُ أمْلاَكٍ قَدَمُ المَلَكِ منهم مسيرةُ عشرينَ ألْفَ سنةٍ، انتهى، والضميرُ في قوله: { فَوْقَهُمُ } قيل: هو للملائكَةِ الحَمَلَةِ، وقيل: للعالم كلّه.