التفاسير

< >
عرض

قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُوا بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُوۤاْ إِنَّ ٱلأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ
١٢٨
قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
١٢٩
وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ
١٣٠
فَإِذَا جَآءَتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ أَلاۤ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ
١٣١
وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ
١٣٢
-الأعراف

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ وَٱصْبِرُواْ... } الآية: لما قال فرعونُ { سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ }، وتوعدهم، قال موسَىٰ لبني إسرائيل، يثبتهم، ويعدهم عن اللَّه تعالىٰ: { ٱسْتَعِينُواْ بِٱللَّهِ }، والأرض هنا: أرضُ الدنيا، وهو الأظهرُ.

وقيل: المراد هنا أرضُ الجَنَّة، وأما في الثانية، فأرض الدنيا لا غير، والصَّبْرُ في هذه الآية: يعمُّ الانتظارَ الذي هو عبادةٌ، والصَّبْرَ في المناجزاتِ، والبأْسَ، وقولهم: { أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا }، يعنون به الذَّبْحَ الذي كان في المُدَّة التي كانَ فِرْعَون يتخوَّف فيها أنْ يولَدَ المولودُ الذي يُخَرِّبُ ملكه، { وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا }، يعنون به وعيدَ فِرْعَونَ، وسائِرَ ما كان خلالَ تلك المدَّة، من الإخافة لهم.

وقال ابنُ عباس والسدّيُّ: إنما قالت بنو إسرائيل هذه المقالَة، حين ٱتَّبَعَهُمْ فرعون، واضْطَرَّهم إِلى البحر.

قال * ع *: وبالجملة فهو كلامٌ يجري مع المعهودِ مِنْ بني إِسرائيل؛ مِن ٱضطرابهم علىٰ أنبيائهم، وقلَّةِ يقينهم، وٱستعطافُ موسَىٰ لهم بقوله: { عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ }، ووعده لهم بالاستخلاف في الأرض، يدُلَّ على أنه يستدعي نفوساً نافرةً؛ ويقوِّي هذا الظنَّ في جهة بني إِسرائيل سلوكُهم هذا السبيلَ في غَيْر مَا قصَّةٍ، وقوله: { فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } تنبيهٌ وحضٌّ على الاستقامة، ولقد ٱسْتُخْلِفُوا في مِصْرَ في زمن دَاوُدَ وسليمانَ، وقد فتحوا بَيْتَ المَقْدِسِ مع يُوشَعَ.

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِٱلسِّنِينَ }، أي: بالجُدُوب والقُحُوطِ، وهذه سِيرَةُ اللَّه في الأممِ، وقوله: { وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلثَّمَرَاتِ }، أي: حتى رُوِيَ أن النخلة مِنْ نخلهم لا تَحْمَلُ إِلا ثمرةً واحدةً، وقال نحوه رجاءُ بْنُ حَيْوَة وفعل اللَّه تعالىٰ بهم هذا؛ لينيبوا ويَزْدَجِرُوا عَمَّا هم عليه من الكُفْرِ؛ إِذ أحوالُ الشدَّة ترقُّ معها القلوبُ، وترغبُ فيما عند اللَّه سبحانه.

وقوله عزَّ وجلَّ: { فَإِذَا جَاءتْهُمُ ٱلْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـٰذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُ... } الآية: كان القَصْدُ في إِصابتهم بِالقَحْط والنقْصِ في الثمراتِ أن ينيبوا ويرجعوا، فإذا هم قد ضَلُّوا، وجعلوها تشاؤماً بموسَىٰ، فكانوا إِذَا ٱتَّفَقَ لهم ٱتفاقٌ حسنٌ في غَلاَّت ونحوها، قالوا: هذه لنا، وبسببنا، وإذا نالهم ضُرٌّ، قالوا: هذا بسبب موسَىٰ وشُؤْمِهِ؛ قاله مجاهد وغيره، وقرأ الجمهور «يَطَّيَّرُوا» ـــ بالياء وشدِّ الطاء والياءِ الأخيرة ـــ، وقرأ طلحةُ بنُ مُصَرِّفٍ وغيره: «تَطِيرُوا» ـــ بالتاء وتخفيف الطاء ـــ، وقرأ مجاهدٌ: ««تَشَاءَمُوا بمُوسَى» ـــ بالتاء من فوق ـــ وبلفظ الشؤم.

وقوله سبحانه: { أَلآ إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ ٱللَّهِ } معناه: حظُّهم ونصيبهم؛ قاله ابن عباس، وهو مأخوذ من زَجْر الطَّيْرِ فسُمِّيَ ما عند اللَّه من القدر للإِنسان طائراً؛ لما كان الإِنسان يعتقدُ أنَّ كل ما يصيبه إِنما هو بحَسَب ما يراه في الطَّائِرِ، فهي لفظةٌ مستعارةٌ، ومهما أصلها عنْدَ الخليل؛ مَامَا، فأبدلت الألف الأولى هاء، وقال سيبوَيْهِ: هي «مَهْ مَا»؛ خُلِطَتَا، وهي حَرْفٌ واحدٌ لمعنًى واحدٍ.

وقال غيره: معناها: «مَهُ»، أي: كُفَّ، و«ما»: جزاءٌ، ذكره الزَّجَّاجُ، وهذه الآيةُ تتضمَّن طغيانهم، وعتوهم، وقَطْعَهم على أنفسهم بالكُفْر البَحْتِ.