وقوله سبحانه: { وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ }: الخُوَارُ: صَوْتُ البقر، وقرأَتْ فرقة: «لَهُ جُؤَارٌ» - بالجيم -، أيْ: صِيَاحٌ، ثم بيَّن سبحانه سُوءَ فِطَرهم، وقرَّر فساد ٱعتقادِهِمْ بقوله: { أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ... } الآية: وقوله: { وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ }: إِخبارٌ عن جميع أحوالهم؛ ماضياً، وحالاً، ومستقبلاً، وقد مَرَّ في «البقرة» قصَّة العِجْلِ؛ فأغنَىٰ عن إِعادته.
قال أبو عُبَيْدة: يقال لمن نَدِمَ على أمْرٍ، وعَجَز عنه: سُقِطَ في يَدِهِ، وقولُ بني إِسرائيل: { لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا }، إِنما كان بَعْدَ رجوعِ موسَىٰ، وتَغَيُّرِهِ عليهم، ورؤيتِهِمْ أنهم قد خَرَجُوا من الدِّين، ووقعوا في الكُفْر.
وقوله سبحانه: { وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَـٰنَ أَسِفاً }، يريد: رجَعَ من المُنَاجَاة، والأَسَفُ، قد يكون بمعنى الغَضَبِ الشديدِ، وأكثرُ ما يكونُ بمعنى الحُزْن، والمعنيانِ مترتبان هنا.
وعبارةُ * ص *: { غَضْبَـٰنَ }: صفةُ مبالغةٍ، والغَضَبُ غَلَيَانُ القَلْب؛ بسبب ما يؤلم و{ أَسِفاً }: مِنْ أَسِفَ، فهو أَسِفٌ، كَفَرِقَ فهو فَرِقٌ، يدل على ثبوت الوصف، ولو ذُهِبَ به مَذْهَبُ الزمان، لقيل: آسِف؛ على وزن فَاعِل، والأَسَفُ: الحزنُ. انتهى.
وقوله تعالى: { أَعَجِلْتُمْ }، معناه: أسابقتم قضاء رَبِّكُم، وٱستعجلتم إِتْيَانِي قبل الوقت الذي قدر به، قال سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: كان سببُ إِلقائه الأَلْوَاحَ - غَضَبَهُ عَلَىٰ قومه في عبادتهم العِجْل، وَغَضَبَهُ عَلىٰ أخيه في إِهمال أَمرهم.
قال ابن عباس: لمَّا ألقاها، تكسَّرت، فَرُفِعَ أكثَرُها الذي فيه تفصيلُ كلِّ شيء، وبقي الذي في نُسْخَتِهِ الهُدَىٰ والرحمة، وهو الذي أخذ بعد ذلك، قال ابن عبَّاس: كانت الألواح مِنْ زُمُرُّدِ، وقيل: من ياقوتٍ، وقيل: من زَبَرْجَدٍ، وقيل: من خشبٍ، واللَّه أعلم.
وقوله: { ٱبْنَ أُمَّ } استعطافٌ برحمِ الأمِّ؛ إذ هو ألْصَقُ القراباتِ، وقوله: { كَادُواْ }، معناه: قاربوا، ولم يَفْعَلُوا، وقوله: { وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ }، يريد: عَبَدَةَ العجْلِ.