التفاسير

< >
عرض

فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً
٥
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً
٦
وَنَرَاهُ قَرِيباً
٧
يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ
٨
وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ
٩
وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً
١٠
يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ
١١
وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ
١٢
وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِي تُؤْوِيهِ
١٣
وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ
١٤
كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ
١٥
نَزَّاعَةً لِّلشَّوَىٰ
١٦
تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ
١٧
وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ
١٨
-المعارج

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } أمرٌ للنبيّ صلى الله عليه وسلم بالصبرِ على أذَى قومِه، والصبرُ الجميلُ الذي لا يَلْحَقُه عَيْبٌ ولا شَكٌّ ولا قِلَّةُ رِضًى، ولا غيرُ ذلك، والأمْرُ بالصبرِ الجميلِ مُحْكَمٌ في كل حالة، أعني: لاَ نَسْخَ فيه، وقيل: إن الآيةَ نزلتْ قبل الأمْرِ بالقِتَالِ؛ فهي منسوخة، * ت *: ولو قيلَ: هذا خطابٌ لجنسِ الإنْسَانِ في شَأْنِ هَوْلِ ذلكَ اليومِ؛ مَا بَعُدَ.

وقوله تعالى: { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } يعني يوم القيامة، والمهْلُ: عَكَرُ الزَّيْتِ؛ قاله ابن عباس وغيره، فَهِي لسوادِها وانكدارِ أَنوارِها، تشبهُ ذلكَ، والمهلُ أيضاً: ما أُذِيبَ من فضَّةٍ ونحوها؛ قاله ابن مسعود وغيره، والعِهْنُ الصوفُ، وقيل: هو الصوفُ المصْبُوغ، أيَّ لَوْنٍ كَانَ، والحميمُ في هذا الموضع: القريبُ والوَليُّ، والمعنى: ولا يَسْأَلُهُ نصرةً ولا منفعةً، ولا يجدُها عنده، وقال قتادة: المعنى: ولا يَسْأَلُهُ عن حالِه؛ لأَنَّها ظاهرةٌ قَدْ بَصُرَ كلُّ أحَدٍ حَالَةَ الجميعِ، وشُغِلَ بنفسهِ، قال الفخرُ: قوله تعالى: { يُبَصَّرُونَهُمْ } تقول: بَصَّرَني زيدٌ كَذَا، وبَصَّرَنيِ بِكَذَا، فإذا بَنَيْتَ الفِعل للمَفْعُولِ وحَذَفْتَ الجارَّ، قلتَ: بُصِّرْتُ زَيْداً، وهكذا معنى: { يُبَصَّرُونَهُمْ } وكأَنَّه لما قال: { وَلاَ يَسْـئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً } قيل: لعله لاَ يُبْصِرُه؛ فَقَال: { يُبَصَّرُونَهُمْ } ولَكِنْ لاِشْتِغَالِهم بأنفسِهم لا يَتَمَكَّنُونَ من تساؤلهِم، انتهى، وقرأ ابن كثير بخلافٍ عنه: «ولاَ يُسْئَلُ» عَلَى بِنَاءِ الفعلِ للمفعول، فالمعنى: وَلاَ يُسْأَلُ إحْضَارَهُ؛ لأنَّ كلَّ مُجْرِمٍ له سِيمَا يُعْرَفُ بها، كما أنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَهُ سِيمَا خَيْرٍ، والصَّاحِبَةُ هنا: الزوجةُ، والفصيلة هنا: قرابَةُ الرجل.

وقوله تعالى: { كَلاَّ إِنَّهَا لَظَىٰ } ردُّ لما وَدُّوه، أي: ليس الأَمْرُ كذلك، و«لَظَى» طَبَقَةٌ مِنْ طبقاتِ جهنم، والشَّوَى جلدُ الإنسانِ وقيل: جلدُ الرأس.

{ تَدْعُواْ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ } يريدُ الكفارَ، قال ابن عباس وغيره: تدعوهُم بأسمائهم وأسماء آبائهم، { وَجَمَعَ } أي جمعَ المالَ و{ فَأَوْعَىٰ } جَعَلَه في الأوْعِية، أي: جمعُوه من غيرِ حلٍّ ومَنَعُوه من حقوقِ اللَّهِ، وكان عبدُ اللَّهِ بن عكيم لاَ يَرْبِطُ كيسَه، ويقول: سمعتُ اللَّهُ تعالى يقول: { وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰ }.