وقوله تعالى: { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } نزلتْ لأَنَّ بعضَ الكفارِ قال: إنْ كَانَتْ ثَمَّ آخرةٌ وجنةٌ فنحنُ أهْلها؛ لأَنَّ اللَّهَ تعالى لم يُنْعِمْ علينا في الدنيا بالمال والبنِين، وغيرِ ذلك؛ إلا لرضَاه عنا.
وقوله تعالى: { كَلاَّ } رَدُّ لقولِهم وَطَمَعِهم، أي: ليس الأمْرُ كذلك،، ثم أخبرَ تَعَالَى عَنْ خَلْقِهِم من نطفةٍ قَذِرَةٍ، وأحالَ في العبارةِ عَلى عِلْمِ الناسِ، أي: فمن خُلِقَ من ذلكَ فَلَيْسَ بنفسِ خَلْقِهِ يُعْطَى الجنةَ، بلْ بالإيمَانِ والأَعْمَالِ الصالحةِ، ورَوَى ابن المباركِ في «رقائقه» قال: أخبرنا مالك بن مغول؛ قال: سمعت أبا ربيعة يحدِّثُ عن الحسن؛ قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
"كُلُّكُم يُحِبُّ أنْ يُدْخَلَ الجَنَّةُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، جَعَلَنَا اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: فَأَقْصِرُوا مِنَ الأَمَلِ، وثَبِّتُوا آجَالَكُمْ بَيْنَ أَبْصَارِكُمْ، واسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الحَيَاءِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّنَا نَسْتَحِي مِنَ اللَّهِ، قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ الحَيَاءُ، ولٰكِنَّ الحَيَاءَ مِنَ اللَّهِ أَلاَّ تَنْسَوُا المَقَابِرَ وَالْبِلَىٰ، وَلاَ تَنْسَوُا الجَوْفَ وَمَا وَعَىٰ، وَلاَ تَنْسَوُا الرَّأْسَ وَمَا حَوَىٰ، وَمَنْ يَشْتَهِي كَرَامَةَ الآخِرَةِ يَدَعُ زِينَةَ الدُّنْيَا، هُنَالِكَ ٱسْتَحْيَا الْعَبْدُ مِنَ اللَّهِ، هُنَالِكَ أصَابَ وِلاَيَةَ اللَّهِ" ، انتهى، وقد روِّينَا أكْثَرَ هَذا الحدِيثِ، من طريقِ أبي عيسى الترمذي، وباقي الآيةِ تَقَدَّم تفسيرُ نظيرِه، والأَجْدَاثُ القبُورَ، والنُّصُبُ: ما نُصِبَ للإنْسَانِ فهو يَقْصِدُه مسرعاً إليه من عَلَمٍ أو بناءٍ، وقال أبو العالية: { إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ }: معناه: إلى غَايَاتٍ يَسْتَبِقُونَ، و{ يُوفِضُونَ }: معناه: يسرعونَ، و{ خَـٰشِعَةٌ }: أي: ذليلةٌ منكسِرَة.