قوله سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} هذا العذابُ الذي تَوَعَّدُوا بهِ، الأظْهَرُ أنَّه عذابُ الدنيا، ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ عذابَ الآخرةِ.
وقوله: {مِّن ذُنُوبِكُمْ} قال قوم: «من» زائدةٌ وهذا نحوٌ كوفيٌّ، وأما الخليلُ وسيبويهِ؛ فلا يجوزُ عندَهم زِيادَةٌ «من» في المُوجَبِ، وقال قومٌ: هي للتبعيضِ، قال * ع *: وهَذَا القولُ عندي أبْيَنُ الأقوالِ هنا؛ وذلك أنه لَوْ قَالَ: يَغْفِرْ لَكُمْ ذنوبَكُم؛ لَعَمَّ هذَا اللفظُ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الذنوبِ، ومَا تَأَخَّرَ عن إيمانِهم، والإسْلاَم إنَّما يَجُبُّ ما قبله.
وقوله سبحانه: {وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} كأنّ نوحاً ـــ عليه السلام ـــ قال لهم: وآمنوا يَبِنْ لَنَا أَنَّكُمْ ممن قُضِيَ له بالإيمان والتأخيرِ، وإنْ بَقِيتُم عَلى كُفْرِكُمْ فَسَيَبينُ أنكم ممن قُضِيَ عليه بالكفرِ والمُعَاجَلَةِ، ثم تبيَّنَ هذا المعنى ولاَح بقوله تعالى: {إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَاءَ لاَ يُؤَخَّرُ} وجَوابُ لو مقدرٌ يقتضِيه المعنى، كأنَّه قال: فَمَا كَانَ أحْزَمَكُمْ أو أَسْرَعَكُمْ إلَى التَّوْبَةِ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ.