التفاسير

< >
عرض

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً
٦
وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً
٧
وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَآءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً
٨
وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً
٩
وَأَنَّا لاَ نَدْرِيۤ أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً
١٠
-الجن

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ... } الآية، منَ القُرَّاءِ مَنْ كَسَرَ الهمزةَ مِنْ «إنَّهُ»، ومنهمْ من فَتَحَها، والكسْرُ أوْجَهُ، والمعنَىٰ في الآيةِ: ما كَانَتِ العربُ تفعله في أسْفَارِها من أنَّ الرَّجُلَ إذا أرادَ المَبِيتَ بِوَادٍ، صاحَ بأعْلَىٰ صوتِه: يا عزيزَ هٰذَا الوَادِي؛ إني أعوذُ بكَ مِنَ السُّفَهَاءِ الذين في طاعتِكَ، ويعتقدُ بذلكَ أنَّ الجِنِّيَّ يحميه ويمنعَه، قال قتادة: فكانت الجنُّ تحتقرُ بني آدمَ وتَزْدَرِيهم لِمَا تَرَى مِنْ جَهلِهِم، فكانوا يَزِيدُونَهمْ مخافةً، ويتعرضُون للتَّخَيُّلِ لهم، ويُغْوُونَهم، في إرادَتِهم، فهذا هو الرَّهَقُ الذي زادته الجنُّ بني آدم، وقال مجاهد وغيره: بنو آدمَ همُ الذينَ زَادُوا الجنّ رَهَقاً وهي الجَرَاءَةُ والطُّغْيان وقَدْ فَسَّر قوم الرَّهَقَ بالإثْم.

وقوله: { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ } يريدُ به بني آدم.

وقوله: { كَمَا ظَنَنتُمْ } مخاطبةٌ لقومِهم من الجنِّ وقولهم: { أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً } يحتملُ معنيين: أحَدُهُما بَعْثُ الحَشْرِ من القبورِ، والآخرُ بَعْثُ آدَمِيٍّ رَسُولاً، وذكر المَهدوي تأويلاً ثالثاً، أنَّ المعنى: وأنَّ الجنَّ ظَنُّوا كما ظَنَنْتُمْ أيها الإنْسُ، فهِي مخاطَبَةٌ من اللَّهِ تعالى، قال الثعلبيُّ: وقيل: إن قَولَه: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ... } الآية، ابتداء إخْبارٍ مِنَ اللَّه تعالى، ليسَ هو من كلامِ الجنِّ، انتهى، فهو وِفَاقٌ لما ذكره المهدوي، وقولهم: { وَأَنَّا لَمَسْنَا ٱلسَّمَاءَ } قال جمهورُ المتأولينَ: معناه الْتَمَسْنَا، والشُّهُبُ كواكبُ الرجْمِ والحَرَسُ يحتملُ أن يريدَ الرَّمْيَ بالشُّهُبِ، وكرَّرَ المعْنَى بلفظٍ مختلف، ويحتملُ أن يريدَ الملائكةَ، و{ مَقَـٰعِدَ }: جَمْع مَقْعَدِ وقَدْ تَقَدَّمَ بيانُ ذلِكَ في سورةِ الحِجْرِ، وقولهم: { فَمَن يَسْتَمِعِ ٱلأَنَ... } الآية، قَطْعٌ على أنَّ كلَّ مَنِ استمع الآنَ أحْرَقَه شهابٌ [فليسَ هنا بَعْدُ سَمْعٌ إنَّما الإحراقُ عِنْدَ الاِستماعِ]، وهذا يقتضي أنَّ الرَّجْمَ كَانَ في الجاهليةِ، ولكنَّه لم يكنْ بمُسْتأصِلٍ، فَلَمَّا جاءَ الإسْلاَمُ، اشْتَدَّ الأَمْرُ؛ حَتَّىٰ لم يكُنْ فِيه وَلاَ يَسِيرُ سَمَاحَةً، و{ رَّصَداً }: نعتٌ لـ«شِهَاب» ووصفَه بالمصْدَرِ، وقولهم: { وَأَنَّا لاَ نَدْرِى أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِى ٱلأَرْضِ... } الآية، معناه: لاَ نَدْرِي أَيُؤْمِنُ الناسُ بهذا النبيِّ فَيَرْشُدُوا، أمْ يَكْفُرُونَ بهِ فَيَنْزِلَ بهِمُ الشَّرُّ، وعبارة الثعلبي: «وأَنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض» حينَ حُرِسَتِ السماءُ ومُنِعْنَا السَّمْعَ، { أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً }، انتهى.