التفاسير

< >
عرض

إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً
٥
إِنَّ نَاشِئَةَ ٱللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْأً وَأَقْوَمُ قِيلاً
٦
إِنَّ لَكَ فِي ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً
٧
وَٱذْكُرِ ٱسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً
٨
رَّبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَٱتَّخِذْهُ وَكِيلاً
٩
وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً
١٠
-المزمل

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } يعني القُرآن، واخْتُلِفَ لم سمّاه ثقيلاً، فقال جماعةٌ مِنَ المفسرينَ: لِمَا كَانَ يَحُلُّ برسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ ثِقْلِ الجِسْمِ؛ حَتَّى إنَّه كَانَ إذا أُوحي إليه وهُو على نَاقَتِهِ؛ بَرَكَتْ بهِ وحَتَّى كَادَتْ فَخِذُه أنْ تَرُضُّ فَخِذَ زَيْدِ بن ثابت ـــ رضي اللَّه عنه ـــ، وقيل: لثِقَلِهِ على الكفارِ والمنافقينَ بإعْجَازِه ووَعْدِه ووعيدهِ ونحو ذلك، وقال حُذَّاقُ العلماء: معناه: ثَقِيلُ المَعانِي من الأَمْرِ بالطاعاتِ، والتكاليفِ الشرعية من الجهاد، ومزاولةِ الأعمال الصالحاتِ دائماً، قال الحسن: إنَّ الهَذَّ خَفِيفٌ ولَكِنَّ العَمَل ثقيل* ت *: والصوابُ عندي أَنْ يُقَالَ: أما ثِقَلُه باعتبارِ النبي صلى الله عليه وسلم، فهو مَا كَان يَجِدُه ـــ عليه السلامُ ـــ من الثقل المَحْسُوسِ وأما ثِقَلُه باعتبارِ سائرِ الأمةِ فهو ما ذُكِرَ من ثقل المعاني، وقَدْ زَجَرَ مالكٌ سائِلاً سأله عن مسألةٍ وَقَالَ: يا أبا عَبْدِ اللَّه؛ إنها مسألةٌ خفيفةٌ؛ فغَضِبَ مالكٌ وقال: لَيْسَ في العِلم خَفِيفٌ أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّه تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً } فَالْعِلْمُ كُلُّه ثقيلُ، انتهى من «المدارك» لعياضٍ.

وقوله سبحانه: { إِنَّ نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } قال ابن جُبَيْرٍ وغيره: هي لَفْظَةٌ حَبَشِيَّةٌ؛ نَشَأَ الرجلُ إذا قَامَ من الليلِ فـ{ نَاشِئَةَ } على هذا جَمْعُ ناشىء أي: قَائِمٌ، و{ أَشَدُّ وَطْأً } معناه: ثُبُوتاً واسْتِقْلاَلاً بالقيام، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عباس وابن الزبير وغيرهم: «وَطَاءً» ـــ بكسر الواوِ ـــ مَمْدُوداً عَلى وَزْنِ «فِعَالِ» على معنى المُوَاطَأَةِ والموَافَقَةِ، وهو أن يواطىء قلبَه لسانهُ، والموَاطأةُ هِي الموافَقَةُ، فهذه مواطأَةٌ صحيحة؛ لخلو البَالِ من أشْغَالِ النَّهارِ، وبهذا المعنى فَسَّر اللفظَ مجاهدٌ وغيره، قال الثعلبيّ: واخْتَارَ هذه القراءةَ أبو عبيدِ وقال جماعة: { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } سَاعَاتُه كلُّها، لأَنَّها تَنْشَأ شَيْئاً بعد شيءٍ، وقيل في تفسير { نَاشِئَةَ ٱلَّيْلِ } غَيْرُ هذا، وقرأ أنس بن مالك «وأصْوَبُ قِيلاً» فقيل له: إنما هو { أَقْوَمُ } فَقَالَ: أقْوَمُ وأصْوَبُ وَاحِدٌ.

وقوله تعالى: { إِنَّ لَكَ فِى ٱلنَّهَارِ سَبْحَاً طَوِيلاً } أي: تَصَرُّفاً وَتَرَدُّداً في أمُورِكَ، ومنه السِّبَاحةُ في الماء، { وَتَبَتَّلْ } معناه: انْقَطِعْ إليه انْقِطَاعاً؛ هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي، انتهى، وأما * ع* فقال: معناه انْقَطِعْ مِنْ كلِّ شيءٍ إلا مِنْهُ وأفْزَعْ إليه، قال زيد بن أسلم: التَبَتُّلُ: رَفْضُ الدُّنْيَا، ومنه بُتِلَ الحَبْلُ، و{ تَبْتِيلاً } مَصْدر على غير الصَّدْرِ، قال أبو حيان: وحُسْنُه كونُه فاصلةً، انتهى، قال ابن العربي في «أحكامه»: فالتَبَتُّلُ المأمورُ بهِ في الآيةِ الاِنْقِطَاعُ إلى اللَّهِ تعالى بإخْلاَصِ العِبَادَةِ، وَهُوَ اختيارُ البخاريّ، والتَبَتُّلُ المنهي عنه في الحديثِ هُو سُلُوكُ مَسْلَكِ النصارى في تَرْكِ النِّكَاحِ والتَّرَهُّبِ في الصوامِع، انتهى، والوَكِيلُ القائم بالأمْرِ الذي تُوكَلُ إليه الأشياء.

وقوله: { وَٱهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً } منسُوخٌ بآية السيف.