التفاسير

< >
عرض

كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ
٥٠
فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ
٥١
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً
٥٢
كَلاَّ بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلآخِرَةَ
٥٣
كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ
٥٤
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ
٥٥
وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ
٥٦
-المدثر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى في صفة الكفار المعرضين: { كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ } إثبات لجهلهم؛ لأَنَّ الحمر من جاهل الحيوان جدًّا، وفي حَرْفِ ابن مسعود: «حُمُرٌ نَافِرَةٌ» قال ابن عباس وأبو هريرة وجمهور من اللغويين: القسورة: الأسد، وقيل غير هذا، { بَلْ يُرِيدُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ } أي: من هؤلاء { أَن يُؤْتَىٰ صُحُفاً مُّنَشَّرَةً } أي: يريد كل إنسان منهم أنْ ينزل عليه كتاب من اللَّه، ومنشرة، أي: منشورة غير مطوية.

وقوله: { كَلاَّ } رَدٌّ على إرادتهم، أي: ليس الأمر كذلك، ثم قال: { بَل لاَّ يَخَافُونَ ٱلأَخِرَةَ } المعنى: هذه هي العلة والسبب في إعراضهم، فكان جهلهم بالآخرة سَبَبَ امتناعهم من الهدى حتى هلكوا، ثم أعاد تعالى الرد والزجر بقوله: { كَلاَّ } وأخبر أنَّ هذا القولَ والبيانَ وهذه المحاورة بجملتها { تَذْكِرَةٌ } { فَمَن شَاءَ }: ووفقه اللَّه لذلك، ذَكَرَ معادَه؛ فعمل له، ثم أخبر سبحانه أنَّ ذكر الإنسان مَعَادَهُ وجريَه إلى فلاحه؛ إنَّما هو كله بمشيئة اللَّه تعالى، وليس يكون شيء إلاَّ بها، وقرأ أبو عمرو وعاصم وابن كثير: «يَذْكُرُونَ» بالياء من تحت.

وقوله سبحانه: { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } خبر جزم معناه: أَنَّ اللَّه عز وجل أَهْلٌ بصفاته العُلَى ونِعَمِهِ التي لا تُحْصَىٰ لأَنْ يُتَّقَىٰ ويُطَاعَ أمره، ويُحْذَرَ عصيانه، وأَنَّه بفضله وكرمه أَهْلٌ أنْ يَغْفِرَ لعبادِهِ إذا ٱتَّقَوْهُ؛ رَوَى ابْنُ مَاجَه عن أنَسٍ: "أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ هَذِهِ الآية: { هُوَ أَهْلُ ٱلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ ٱلْمَغْفِرَةِ } فَقَالَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَهْلٌ أَنْ أُتَّقَىٰ، فَلاَ يُجْعَلَ مَعِيَ إلٰهٌ آخَرُ، فَمَنِ اتَّقَانِي فَلَمْ يَجْعَلْ مَعِيَ إلَهاً آخَرَ، فَأَنَا أَهْلٌ أنْ أَغْفِرَ لَهُ" وأخرجه أبو عيسى الترمذي بمعناه، وقال: حديث حسن، انتهى.