التفاسير

< >
عرض

لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ
١
وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ
٢
أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ
٣
بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ
٤
بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ
٥
يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ
٦
فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ
٧
وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ
٨
وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ
٩
-القيامة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قوله عز وجل: { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ * وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } هذه قراءة الجمهور، وقرأ ابن كثير: «لأُقْسِمُ بِيَومِ الْقِيَامَةِ وَلأُقْسِمُ» فقيل: على قراءة الجمهور «لا» زائدة، وقال الفَرَّاءُ: «لا» نفيٌ لكلام الكفار، وزجر لهم، ورَدٌّ عليهم، وجمهور المتأوِّلين على أَنَّ اللَّه تعالى أقسم بيوم القيامة وبالنفس اللوامة، أقسم سبحانه بيوم القيامة؛ تنبيهاً منه على عِظَمِهِ وهوله؛ قال الحسن: النفس اللَّوَّامَةُ: هي اللوامة لصاحبها في ترك الطاعة ونحو ذلك، فهي على هذا ممدوحة؛ ولذلك أقسم اللَّه بها، وقال ابن عباس وقتادة: اللوامة: هي الفاجرة، اللوامة لصاحبها على ما فاته من سعي الدنيا وأعراضها، وعلى هذا التأويل يحسن نفي القسم بها، والنفس في الآية اسم جنس.

قال * ع *: وكل نفس متوسطة ليست بالمُطْمَئِنَّةِ ولا بالأَمَّارَةِ بالسوء فإنَّها لوَّامة في الطرفين، مرةً تلوم على ترك الطاعة، ومرةً تلوم على فوت ما تشتهي، فإذا اطمأنَّتْ خلصت وصفت، قال الثعلبيُّ: وجواب القسم محذوف تقديره: لَتُبْعَثُنَّ، دَلَّ عليه قوله: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } أي: للإحياء والبعث، والإنسان هنا الكافر المُكَذِّبُ بالبعث، انتهى، والبنان: الأصابع، و{ نُّسَوِّىَ بَنَانَهُ } معناه: نتقنها سَوِيَّةً؛ قاله القتبي، وهذا كله عند البعث، وقال ابن عباس وجمهور المفسرين: المعنى: بل نحن قادرون أنْ نسوي بنانه، أي: نجعل أصابع يديه ورجليه شيئاً واحداً كَخُفِّ البعير أو كحافر الحمار، لا يمكنه أنْ يعمل بها شيئاً، ففي هذا تَوَعُّدٌ ما، والقول الأول أجرى مع رصف الكلام.

{ بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَـٰنُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } معناه: أنَّ الإنسان إنَّما يريد شهواتِهِ ومعاصِيَه؛ ليمضيَ فيها أبداً راكباً رأسه، ومطيعاً أمله، ومُسَوِّفاً توبته؛ قال البخاريُّ: { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } يقول: سوف أتوب، سوف أعمل، انتهى.

قال الفخر: قوله: { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } فيه قولان:

الأَوَّل: ليدوم على فجوره فيما يستقبله من الزمان، لا ينزع عنه؛ فَعَنِ ابن جُبَيْرٍ: يقدم الذنب، ويُؤَخِّرُ التوبة، يقول: سوف أتوب، سوف أتوب حتى يأتيه الموت على شر أحواله وأسوإ أعماله.

القول الثاني: { لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } أي: يُكَذِّبُ بما أمامه من البعث والحساب؛ لأَنَّ من كذب حَقًّا كان مفاجراً، والدليل على هذا القول قوله تعالى: { يَسْـئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَـٰمَةِ } أي: متى يكون ذلك؛ تكذيباً له، انتهى.

وسؤال الكفار { أَيَّانَ } هو على معنى التكذيب والهزء، و{ أَيَّانَ } بمعنى: متى، وقرأ نافع وعاصم بخلافٍ: «بَرَقَ الْبَصَرُ» ـــ بفتح الراء ـــ بمعنى: لَمَعَ وصار له بريق، وحار عند الموت، وقرأ أبو عمرو وغيره بكسرها بمعنى: شَخَصَ، والمعنى متقارب، قال مجاهد: هذا عند الموت، وقال الحسن: هذا في يوم القيامة، قال أبو عبيدة وجماعة من اللغويين: الخسوف والكسوف بمعنى واحد، وقال ابن أبي أُوَيْسٍ: الكسوف: ذهابُ بعض الضوء، والخسوف: ذهاب جميعه، وروى عروة وسفيان أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَقُولُوا كَسَفَتِ الشَّمْسُ، وَلَكِنْ قُولُوا: خَسَفَتْ" وقرأ ابن مسعود: «وَجُمِعَ بَيْنَ الشَّمْسِ وَالقَمَرِ» واختلف في معنى الجمع بينهما فقال عطاء: يجمعان فيقذفان في النار، وقيل: في البحر فيصيرا نارَ اللَّه العُظْمَى، وقيل: يُجْمَعُ الضَّوْءانِ فيذهب بهما؛ قال الثعلبيُّ: وقال علي وابن عباس: يجعلان في نور الحجب، انتهى.