وقوله تعالى: {بَلِ ٱلإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} قال ابن عباس وغيره: أي: للإنسان على نفسه من نفسه بصيرةُ رقباءَ يشهدون عليه، وهم جوارحه وَحَفَظَتُه، ويحتمل أنْ يكون المعنى: بل الإنسان على نفسه شاهد؛ ودليله قوله تعالى:
{ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ ٱلْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا } } [الإسراء:14] قال الثعلبيُّ: قال أَبَانُ بْنُ تَعْلَبٍ: البصيرةُ والبَيِّنَةُ والشاهد بمعنى واحد انتهى، ونحوه للهرويِّ؛ قال * ع *: والمعنى على هذا التأويل الثاني: أَنَّ في الإنسان وفي عقله وفطرته حُجَّةً وشاهداً مُبْصِراً على نفسه. {وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ} أي: ولو اعتذر عن قبيح أفعاله، فهو يعلمها، قال الجمهور: والمعاذير هنا جمع مَعْذِرَةٌ، وقال الضَّحَّاكُ والسُّدِّيُّ: هي الستور بلغة اليمن؛ يقولون للستر: المعذار.
وقوله تعالى: {لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ} الآية، قال كثير من المفسرين، وهو في «صحيح البخاريِّ» عن ابن عباس قال:
"كان النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَالِجُ مِنَ التَّنْزِيلِ شِدَّةً وَكَانَ مِمَّا يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ؛ مُخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ مَا يُوحَى إلَيْهِ" ، فَنَزَلَتِ الآيَةُ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَأَعْلَمَهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَجْمَعُهُ لَهُ في صَدْرِهِ. وقوله: {وَقُرْءَانَهُ} يحتمل أنْ يريد وقراءته، أي: تقرأه أنت يا محمد.
وقوله: {فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ} أي: قرأه المَلَكُ الرسول عَنَّا {فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُ}، قال البخاريُّ: قال ابن عباس: {فَٱتَّبِعْ}، أي: اعمل به، وقال البخاريُّ أيضاً قوله: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ} أي: تأليف بعضه إلى بعض {فَإِذَا قَرَأْنَـٰهُ فَٱتَّبِعْ قُرْءَانَهُ} أي: ما جمع فيه، فاعمل بما أمرك، وانته عَمَّا نهاك عنه انتهى.
وقوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} قال قتادة وجماعة: معناه: أنْ نُبَيِّنَهُ لك، وقال البخاريُّ: أنْ نبينه على لسانك.