التفاسير

< >
عرض

إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً
٩
إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً
١٠
فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً
١١
وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً
١٢
مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً
١٣
وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً
١٤
وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ
١٥
قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً
١٦
وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً
١٧
عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً
١٨
وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً
١٩
-الإنسان

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقولَه: { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ... } الآية، قال مجاهد، وابن جبير: ما تكلموا به، ولكنه علمه اللَّه من قلوبهم، فأثنى عليهم؛ ليرغب في ذلك راغب، وَوَصْفُ اليوم بِعَبُوسٍ تَجُوُّزٌ، والقَمْطَرِيرُ: هو في معنى العبوس والإرْبِدَاد؛ تقول: ٱقْمَطَرَّ الرَّجُلُ: إذا جمع ما بين عَيْنَيْهِ. غضباً، وقال ابن عباس: يعبس الكافر يومئذ حتَّىٰ يسيلَ ما بين عينيه كالقَطِرَانِ، وَعَبَّرَ ابن عباس عن القمطرير بالطويل، وعَبَّرَ عنه غيره بالشديد؛ وذلك كله قريب في المعنى، والنضرة: جمال البشرة وذلك لا يكون إلاَّ مع فرح النفس وقرة العين.

وقوله: { بِمَا صَبَرُواْ } عامٌّ في الصبر عنِ الشهوات وعلى الطاعات والشدائد، وفي هذا يدخل كُلُّ ما خصص المفسرون من صوم، وفقر، ونحوه.

وقوله سبحانه: { لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً... } الآية، عبارةٌ عن اعتدال هوائها وذَهَابِ ضَرَرِيِ الحَرِّ والقَرِّ، والزَّمْهَرِير: أَشَدُّ البرد، والقطوف: جمع قطف وهو العنقود من النخل والعنب ونحوه، والقوارير: الزجاج.

وقوله تعالى: { مِّن فِضَّةٍ } يقتضي أَنَّها من زجاج ومن فضة، وذلك متمكن؛ لكونه من زجاج في شفوفه ومن فضة في جَوْهَرِهِ، وكذلك فضة الجنةِ شفَّافة، [قال القرطبيُّ في «تذكرته»: وذلك أَنَّ لكل قومٍ من تراب أرضهم قَوَارِيرَ، وأَنَّ ترابَ الجنة فضة، فهي قوارير من فضة؛ قاله ابن عباس، انتهى].

وقوله تعالى: { قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } أي: على قَدْرِ رِيِّهِمْ؛ قاله مجاهد، أو على قدر الأَكُفِّ قاله الربيع، وضمير { قَدَّرُوهَا } يعود إمَّا على الملائكة، أو على الطائفين، أو على المنعمين.

وقوله سبحانه: { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } «عيناً» بدل من «كأس» أو من «عين» على القول الثاني، و{ سَلْسَبِيلاً } قيل: هو اسم بمعنى السَّلِسُ المنقاد الجرية، وقال مجاهد: حديدة الجرية، وقال آخرون: { سَلْسَبِيلاً } صفة لقوله: { عَيْناً } و{ تُسَمَّىٰ } بمعنى تُوْصَفُ وتشهر، وكونه مصروفاً مما يؤكد كونه صفة للعين لا اسماً.

وقوله تعالى: { حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } قال الإمام الفخر: وفي كيفية التشبيه وجوه.

أحدها: أَنَّهُم شُبِّهُوا في حسنهم، وصفاء ألوانهم، وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم في أنواع الخدمة ـــ باللؤلؤ المنثورِ، ولو كانوا صفًّا لَشُبِّهُوا باللؤلؤ المنظوم؛ أَلاَ ترى أَنَّهُ تعالى قال: { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدٰنٌ } فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين.

الثاني: أَنَّ هذا من التشبيه العجيب؛ لأَنَّ اللؤلؤ إذا كان متفرقاً يكون أحسنَ في المنظر؛ لوقوع شعاع بعضه على بعض.

الثالث: أَنَّهم شُبِّهُوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه؛ لأَنَّه أحسن وأجمل، انتهى.