التفاسير

< >
عرض

عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً
٦
يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً
٧
وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً
٨
-الإنسان

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { عَيْناً } قيل: هو بدل من قوله: { كَـٰفُوراً } وقيل: هو مفعول بقوله: { يَشْرَبُونَ } أي: ماءُ هذه العين من كأس عَطِرَةٍ كالكافور، وقيل: نصب { عَيْناً } على المدح أو بإضمار «أعني».

قوله تعالى: { يَشْرَبُ بِهَا } بمنزلة [يشربها]، فالباء زائدة؛ قال الثعلبيُّ: قال الواسطي: لَمَّا اختلفت أحوالهم في الدنيا اختلفت أشربتهم في الآخرة، انتهى.

قال * ص *: وقيل: الباء في { بِهَا } للإلصاق والاختلاط، أي: يشرب بها عباد اللَّه الخمرَ؛ كما تقول: شَرِبْتُ الماءَ بالعسل، انتهى.

وقوله تعالى: { يُفَجِّرُونَهَا } معناه: يفتقونها ويقودونها حيث شاؤوا من منازلهم وقصورهم، فهي تجري عند كُلِّ أحد منهم، ورُدَّ بهذا الأثر، وقيل: عين في دار النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تفجر إلى دُورِ الأنبياء والمؤمنين؛ قال * ع *: وهذا قول حسن، ثم وصف تعالى حال الأبرار فقال: { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَـٰفُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } أي: ممتدًّا مُتَّصِلاً شائعاً.

وقوله تعالى: { عَلَىٰ حُبِّهِ } يحتمل أنْ يعودَ الضمير على الطعام، وهو قول ابن عباس، ويحتمل أنْ يعودَ على اللَّه تعالى؛ قاله أبو سليمان الدَّارانيُّ.

وقوله: { وَأَسِيراً } قال الحسن: ما كان أسراهم إلاَّ مشركين؛ لأَنَّ في كل ذي كبد رطبة أجراً.

* ت *: وفي «العتبيةِ» سُئِلَ مالك عن الأسير في هذه الآية أمسلم هو أم مشرك، فقال: بل مشرك، وكان ببدر أسارى، فأنزلت فيهم هذه الآية؛ فقال ابن رشد: والأظهر حمل الآية على كل أسير، مسلماً كان أو كافراً، انتهى يعني: وإنْ كان سبب نزولها ما ذكر فهي عامَّةٌ في كُلِّ أسير إلى يوم القيامة، وقال أبو سعيد الخُدْرِيُّ: قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "{ مِسْكِيناً } [قال:] فَقِيراً { وَيَتِيماً } قال: لا أَبَ لَهُ { وَأَسِيراً } قال: المَمْلُوكُ والمَسْجُونُ" ، وأسند القُشَيْرِيُّ في رسالته عن مالك، عن نافع، عنِ ابن عمر، عن عمر بن الخطاب ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "لِكُلِّ شَيْءٍ مِفْتَاحٌ، وَمِفْتَاحُ الجَنَّةِ حُبُّ المَسَاكِينِ، والفُقَرَاءُ الصُّبَّرُ هُمْ جُلَسَاءُ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" انتهى.

وروى الترمذيُّ عن أنس أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهُمَّ، أحْيِنِي مِسْكِيناً، وأَمِتْنِي مِسْكِيناً، وٱحْشُرْنِي في زُمْرَةِ المَسَاكِينِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟! قالَ: إنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفاً، يَا عَائِشَةُ، لاَ تَرُدِّي الْمِسْكِينَ، وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، يَا عَائِشَةُ، أَحِبِّي المَسَاكِينَ وَقَرِّبِيهِمْ، فَإنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" . قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، انتهى.