التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ
١٦
ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ
١٧
كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ
١٨
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٩
أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ
٢٠
فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ
٢١
إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ
٢٢
فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ
٢٣
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٢٤
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً
٢٥
أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً
٢٦
وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً
٢٧
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٢٨
ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
٢٩
ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ
٣٠
لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ
٣١
إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ
٣٢
كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ
٣٣
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٤
هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ
٣٥
وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ
٣٦
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
٣٧
-المرسلات

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله عز وجل: { أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ * ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلأَخِرِينَ... } الآية، قرأ الجمهور: «نُتْبِعُهُمُ» ـــ بضم العين ـــ على استئناف الخبر، ورُوِيَ عن أبي عمرو: «نُتْبِعْهُمُ» بجزم العين؛ عطفاً على «نهلك» وهي قراءة الأعرج، فَمَنْ قرأ الأولى جعل الأولين الأُمَمَ التي تقدمت قريشاً بأجمعها، ثم أخبر أَنَّهُ يتبع الآخرين من قريش وغيرهم سنن أولٰئك إذا كفروا وسلكوا سبيلهم، ومَنْ قرأ الثانية جعل الأَوَّلِينَ قومَ نوحٍ وإبراهيمَ ومَنْ كان معهم، والآخرين قوم فرعونَ وكُلَّ مَنْ تأخَّرَ وقَرُبَ من مُدَّةِ النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } أي: في المستقبل، فيدخل هنا قريش وغيرها، وأَمَّا تكرار قوله تعالى: { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } في هذه السورة فقيل: ذلك لمعنى التأكيد فقط، وقيل: بل في كل آية منها ما يقتضي التصديقَ، فجاء الوعيد على التكذيب بذلك الذي في الآية، والماء المهين: معناه الضعيف، والقرار المكين: الرَّحِمُ وبَطْنُ المرأة، والقدر المعلوم: هو وقت الولادة [ومعناه] معلوم عند اللَّه، وقرأ نافع والكسائيُّ: «فَقَدَّرْنَا» ـــ بتشديد الدال ـــ، والباقون بتخفيفها، وهما بمعنى من القدرة والقدر ومن التقدير والتوقيت.

* ت *: وفي كلام * ع *: تلفيف، وقال غيره: فَقَدَّرْنَا بالتشديد من التقدير وبالتخفيف من القدرة، وهو حسن.

وقوله: { ٱلْقَـٰدِرُونَ } يُرَجِّحُ قراءة الجماعة إلاَّ أَنَّ ابن مسعود رَوَى عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ فَسَّرَ «القادرون» بالمقدرين، والكِفَاتُ: الستر والوعاء الجامع للشيء بإجماع؛ تقول: كفت الرجلُ شعره إذا جمعه بخرقة، والأرضُ تكفت الأحياءَ على ظهرها، وتكفِتُ الأموات في بطنها، وخَرَجَ الشَّعْبِيُّ إلى جنازة فنظر إلى الجبَّانة فقال: هذه كفات الموتى، ثم نظر إلى البيوت فقال: وهذه كفات الأحياء.

قال * ع *: ولما كان القبر كفاتاً كالبيت، قُطِعَ من سَرَقَ منه، والرواسي: الجبال، والشوامخ: المرتفعة، والفرات: الصافي العَذْبُ، والضمير في قوله: { ٱنطَلِقُواْ } هو للمُكَذِّبِينَ الذين لهم الويل، ثم بَيَّنَ المُنْطَلَقَ إليه؛ قال عطاء: الظل الذي له ثلاث شعب هو دُخَانُ جهنم، وقال ابن عباس: هذه المخاطبة تقال يومئذ لِعَبَدَةِ الصليب إذا اتَّبَعَ كُلُّ أحد ما كان يعبد، فيكون المؤمنون في ظل اللَّه ولا ظل إلاَّ ظله، ويقال لعَبَدَةِ الصليب: انطلقوا إلى ظِلِّ معبودكم، وهو الصليب له ثلاث شعب، ثم نفى تعالى عنه محاسن الظل، والضميرُ في { إِنَّهَا } لجهنم { تَرْمِى بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } أي: مثل القصور من البنيان؛ قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين، وقال ابن عباس أيضاً: القصر خشب كُنَّا في الجاهلية نَدَّخِرُه للشتاء، وقرأ ابن عباس: «كالْقَصَر» ـــ بفتح الصاد ـــ جمع قَصَرَةِ وهي أعناق النخل والإبل، وقال ابن عباس: جذور النخل، واخْتُلِفَ في الجَمَالاَتِ: فقال جمهور من المفسرين: هي جمع جِمَالٍ؛ كرجال ورِجالات، وقال آخرون: أراد بالصُّفْرِ السود، وقال جمهور الناس: بل الصفر: الفاقعة؛ لأَنَّها أشبه بلون الشَّرَرِ، وقال ابن عباس: الجمالات: حبال السفن، وهي الحبال العظام إذا جُمِعَتْ مستديرةً بعضها إلى بعض، وقرأ ابن عباس: «جُمَالَةً» ـــ بضم الجيم ـــ من الجملة لا من الجمل، ثم خاطب تعالى نبيه ـــ عليه السلام ـــ بقوله: { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ... } الآية، وهذا في موطنٍ خاص إذ يومُ القيامَة هو مواطِنُ.