التفاسير

< >
عرض

يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً
٣٨
ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً
٣٩
إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً
٤٠
-النبأ

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ } اخْتُلِفَ في الرُّوحِ المذكورِ هنا فقال الشعبي والضحاك: هو جبريلُ ـــ عليه السلام ـــ؛ وقال ابن مسعودٍ: هو مَلَكٌ عظيم أكبرُ الملائكةِ خِلْقَةً يسمَى الرُّوح، وقال ابن زيد: هو القرآن، وقال مجاهدٌ: الروحُ خَلْقٌ على صورة بني آدمَ يأكلُون ويَشْرَبُونَ، وقالَ ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الرُّوحُ خَلْقٌ غَيْرُ المَلاَئِكَةِ هُمْ حَفَظَةٌ لِلْمَلاَئِكَةِ؛ كَمَا المَلاَئِكَةُ حَفَظَةٌ لَنَا" ، وقيلَ الرُّوح اسمُ جنسٍ لأرواحِ بني آدم، والمعنى: يوم تَقُوم الأرواحُ في أجسادها إثْرَ البَعْثِ، ويكونُ الجميعُ من الإنس والملائِكَةِ صفًّا ولاَ يتكلمُ أحدٌ منهم هَيْبَةً وفَزَعاً إلا مَنْ أذنَ له الرحمنُ مِنْ مَلَكٍ أو نبي؛ وكان أهلاً أنْ يقولَ صواباً في ذلك الموطنِ، وقال البخاريُّ: { صَوَاباً }: حَقًّا في الدنيا وعَمِلَ به، انتهى،، وفي قوله: { فَمَن شَاءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَـئَاباً } وعدٌ ووعيدٌ وتحريضٌ، والعذابُ القريبُ: هو عذاب الآخرةِ، إذ كلُّ آتٍ قريبٌ، وقال أبو هريرةَ وعبدُ اللَّه بن عمر: إن اللَّه تعالى يُحْضِرُ البهائم يَومَ القيامةِ فيقتصُّ لبعضها من بعضٍ، ثم يقول لَها بَعْدَ ذلكَ: كوني تراباً فيعودُ جميعُها تراباً؛ فعند ذلك يقول الكافر: { يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰباً } * قلت *: وَاعْلَمْ رحمكَ اللَّه أَني لم أقفْ على حديثٍ صحيحٍ في عَوْدِها تراباً، وقدْ نَقَلَ الشيخُ [أبُو العباسِ القَسْطَلاَّنِيُّ عن] الشيخ أبي الحكم بن أبي الرَّجَّالِ إنكارَ هذا القولِ، وقال: ما نُفِثَ روحُ الحياةِ في شَيْءٍ فَفَنِيَ بَعْدَ وجودِه، وقد نقَلَ الفَخْرُ هنا عن قَوْم بقاءَها وأن هذه الحيواناتِ إذا انْتَهَتْ مدةُ إعراضِها جعلَ اللَّه كلَّ ما كانَ مِنْهَا حَسَنَ الصُّورَةِ ثواباً لأهلِ الجنةِ، وما كانَ قَبيحَ الصورةِ عقاباً لأَهْلِ النارِ، انتهى، والمُعَوَّلُ عليه في هذا: النقلُ فإنْ صَحَّ فيه شيءٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وَجَبَ اعْتِقَادُه وصِيرَ إليه، وإلا فلا مدخلَ للعَقْلِ هنا، واللَّه أعلم.