وقوله سبحانه: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ} هذا خطابٌ لجميع المؤمنين إِلى يوم القيامة، وهو يجمع أنواع الخياناتِ كلَّها قليلَهَا وكثيرَهَا، والخيانةُ: التنقُّص للشيءِ بٱختفاءٍ، وهي مستعْمَلَةٌ في أنْ يفعل الإِنسان خلاف ما يَنْبَغِي مِنْ حفظ أمْرٍ مَّا، مالاً كان أو سرًّا أو غير ذلك، والخيانة للَّه عَزَّ وجل: هي في تنقُّص أو أمره في سِرٍّ.
وقوله: {وَتَخُونُواْ أَمَـٰنَـٰتِكُمْ }.
قال الطبريُّ: يحتمل أن يكون داخلاً في النهيْ؛ كأنه قال: لا تخونوا اللَّه والرسولَ، ولا تخونوا أماناتِكُمْ، ويحتمل أن يكون المعنَى: لا تخونوا اللَّه والرسول؛ فذلك خيانةٌ لأماناتكم.
وقوله: {فِتْنَةٌ}، يريد: محنةً وٱختباراً وٱمتحاناً؛ ليرى كَيْفَ العملُ في جميع ذلك.
وقوله: {وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، يريد: فوز الآخرة، فلا تَدَعُوا حظَّكم منه؛ للحيطة على أموالكم وأبنائكم؛ فإِن المذخور للآخرة أعظمُ أجراً.
قوله سبحانه: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ...} الآية: وعْدٌ للمؤمنين بشرط التقوىٰ والطاعةِ للَّه سبحانَهُ، و{يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا}: معناه: فرْقاً بين حقِّكم، وباطل مَنْ ينازعكم؛ بالنصْر والتأييد، وعبَّر قتادة، وبعضُ المفسِّرين عن «الفُرْقَان» ههنا بالنجاةِ، وقال مجاهدٌ والسُّدِّيُّ: معناه: مَخْرَجاً، ونحو هذا مما يعمه ما ذكَرْناه، وقد يوجَدُ للعرب ٱستعمالُ «الفرقان»، كما ذكر المفسِّرون؛ وعلى ذلك شواهد؛ منها قول الشاعر: [الطويل]
وَكَيْفَ أُرَجِّي الخُلْدَ والمَوْتُ طَالِبِيوَمَاليَ مِنْ كَأْسِ المَنيِّةِ فُرْقَانُ
* ت *: قال ابن رُشْد: وأَحْسَنُ ما قيلَ في هذا المعنى قوله تعالى: {يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا }؛ أي: فَضْلاً بين الحق والباطل؛ حتى يعرفوا ذلك بقلوبهم، ويهتدوا إِليه. انتهى من «البيان».