التفاسير

< >
عرض

لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ
٣٧
قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الأَوَّلِينَ
٣٨
وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لله فَإِنِ انْتَهَوْاْ فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
٣٩
وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ
٤٠
-الأنفال

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ }، وقرأ حمزة والكسائيُّ: «لِيُمَيِّزَ اللَّهُ» - بضم الياءِ، وفتحِ الميم، وشدِّ الياء -، قال ابن عباس وغيره: المعنيُّ بـــ { ٱلْخَبِيثَ }: الكفَّارُ، وبـ { ٱلطَّيِّبِ } المؤمنون، وقال ابْنُ سَلاَّم والزَّجَّاج: { ٱلْخَبِيثَ }: ما أنفقه المشركون في الصَّدِّ عن سبيل اللَّه، و{ ٱلطَّيِّبِ }: هو ما أنفقه المؤمنون في سبيل اللَّهِ.

قال * ع *: رُوِيَ عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ اللَّه سبحانه يُخْرِجُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَالِ مَا كَانَ صَدَقَةً أَوْ قُرْبَةً، ثُمَّ يأْمُرُ بِسَائِرِ ذَلِكَ، فَيُلْقَىٰ فِي النَّارِ: وعلى التأويلين: فقوله سبحانه: { وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً } إِنما هي عبارةٌ عن جَمْع ذلك، وضَمه، وتأليف أشتاته، وتكاثُفِه بٱلاجِتماعِ، ويَرْكُمُهُ؛ في كلام العرب: يُكَثِّفه؛ ومنه { { سَحَـابٌ مَّرْكُومٌ } [الطور:44] وعبارة البخاريِّ: فيركمه: فَيَجْمَعه. انتهى.

وقوله سبحانه: { إِن يَنتَهُواْ }، يعني: عن الكفر، { يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ }؛ لأن الإِسلام يجُبُّ ما قبله، و{ إِن يَعُودُواْ }، يريدُ بِهِ: إِلى القِتَالِ، ولا يصحُّ أن يُتَأَوَّل: وإن يعودوا إِلى الكُفْرِ؛ لأنهم لم ينفصلوا عنه.

وقوله: { فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ ٱلأَوَّلِينَ }: عبارةٌ تجمَعُ الوعيدَ والتهديدَ والتمثيلَ بمَنْ هَلَكَ من الأمم في سالف الدَّهْرِ بعذاب اللَّه؛ حين صدَّ في وَجْهِ نبيِّه بمَنْ هلك في يَوْمِ بَدْرٍ بسيف الإسلام.

وقوله سبحانه: { وَقَـٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ } قال ابنُ عباس، وابن عمر، وغيرهما: الفِتْنَةُ: الشِّرْكُ.

قال * ع *: وهذا هو الظاهر، ويفسِّر هذه الآيةَ قولُه صلى الله عليه وسلم: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لاَ إِلٰهَ إِلاَّ اللَّه" الحديث.

وقال ابن إِسحاق: معناها: حتَّى لا يفتن أحَدٌ عن دينهِ؛ كما كانت قريشٌ تَفْعَلُ بمكَّة بمن أَسْلَمَ.

وقوله: { وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلهِ }، أيْ: لا يُشْرَكَ معه صَنَمٌ، ولا وَثَنٌ، ولا يُعْبَدَ غيرُهُ سبحانه، ثم قال تعالَى: { فَإِنِ انْتَهَوْاْ }، عن الكفر، { فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } بِعَمَلِهم، مُجَازٍ عليه، عنده ثوابه، وجميلُ المقارضة عليه.

وقوله سبحانه: { وَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ ٱلْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ ٱلنَّصِيرُ }: معادلٌ لقوله: { فَإِنِ انْتَهَوْاْ }، المعنى: وإِن تولَّوا، ولم ينتهوا، فٱعلموا أن اللَّه تعالَى ينصُرُكُمْ عليهم، وهذا وعدٌ مَحْضٌ بالنصْرِ والظَّفرِ، و{ ٱلْمَوْلَىٰ }؛ هاهنا ٱلمُوَالى والمُعِينُ، والمَوْلَى في اللغة على معانٍ، هذا هو الذي يليقُ بهذا الموضعِ منها، والمَوْلَىَ: الذي هو السيِّد المقترنُ بالعَبْدِ يعمُّ المؤمنين والمشركين.