التفاسير

< >
عرض

وَهُوَ يَخْشَىٰ
٩
فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ
١٠
كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ
١١
فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ
١٢
-عبس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { وَهُوَ يَخْشَىٰ } أي: يخشَى اللَّه، { فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ } أي تَشْتَغِلُ، تَقُولُ لَهِيتُ عن الشيء ألْهَى إذا اشْتَغَلْتُ عنه، ولَيْسَ من اللَّهْوِ، وهذه الآيةُ السببُ فيها هذا؛ ثم هِي بَعْدُ تَتَنَاولُ مَنْ شَارَكَهم في هذه الأوصافِ، فحمَلةُ الشَّرْعِ والعِلم مخاطبونَ بتقريبِ الضَّعِيفِ من أهلِ الخير وتقديمِه على الشريفِ العارِي من الخيرِ، مثلَ ما خُوطِبَ بهِ النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السورةِ، قال عياضٌ: وليسَ في قوله تعالى: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } الآيةَ، ما يَقْتَضِي إثباتَ ذَنْبٍ للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه خَالفَ أمْرَ ربِّه سبحانه، وإنَّما في الآيةِ الإعلامَ بحال الرجلينِ، وتَوْهِينِ أَمْرِ الكافرِ، والإشارةُ إلى الإعراضِ عنه، انتهى، قال السهيلي: وانظرْ كيفَ نزلتِ الآيةُ بلفظِ الإخبارِ عن الغائبِ فقال: { عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ } ولم يقل: عَبَسْتَ وتولَّيْتَ، وهذا يُشْبِهُ حال العاتِب المُعْرِضِ، ثم أقبل عَلَيْهِ بمواجَهَةِ الخطابِ فقال: { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ } الآية، عِلماً منْه سبحانه أنَّه لَمْ يَقْصِدْ بالإعراضِ عن ابن أم مكتوم إلا الرغبةَ في الخيرُ ودخولِ ذلكَ المشركِ في الإسلام؛ إذ كان مثلُه يُسْلِم بإسلامِه بَشَرٌ كثيرٌ، فكلَّمَ نبيَّهُ حينَ ابتدأَ الكلامَ بِمَا يشبه كلامَ المُعْرِضِ عنه العاتِب له، ثم واجَهَهُ بالخطابِ تأنيساً له ـــ عليه السلام ـــ، انتهى، ثم قال تعالى: { كَلاَّ } يا مُحَمَّدُ، ليسَ الأَمْرُ كما فعلتَ، إنَّ هٰذِهِ السُّورَةَ أو القراءةَ أو المعاتبةَ تَذْكِرَةٌ، وعبارةُ الثعلبي: إن هي السورةَ، وقيل: هذه الموعظةَ، وقال مقاتلٌ: آياتُ القرآن تذكرةٌ، أي: مَوْعِظَةٌ وتَبْصِرةٌ للخلقِ، { فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ } أي: اتَّعظَ بآي القرآن وبما وعظتُكَ وأدَّبتُكَ في هذه السورةِ، انتهى. * ص *: { ذَكَرَهُ } ذكَّرَ الضمير؛ لأنَّ التذكرةَ هي الذكرُ، انتهى.