التفاسير

< >
عرض

وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ
٨
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٩
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
١٠
ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ
١١
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلاَّ كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ
١٢
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ
١٣
كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
١٤
كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ
١٥
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُواْ ٱلْجَحِيمِ
١٦
ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ
١٧
كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ ٱلأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ
١٨
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ
١٩
كِتَابٌ مَّرْقُومٌ
٢٠
يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ
٢١
إِنَّ ٱلأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ
٢٢
عَلَى ٱلأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ
٢٣
تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ
٢٤
يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ
٢٥
خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَافِسُونَ
٢٦
-المطففين

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ } تعظيمٌ لأمر هذا السِّجِّينِ وتعجيبٌ منه، ويحتملُ أنْ يكونَ تقريرَ اسْتِفْهامٍ، أي: هذا مما لم تكنْ تعلمُه قَبلَ الوحيِ، و{ كِتَـٰبٌ مَّرْقُومٌ } على القول الأولِ: مرتفعٌ على خبر «إنَّ» وعلى القولِ الثاني مرتفعٌ على أنه خبرُ مبتدإٍ محذوف تقديرُه: هو كتاب مرقوم، ويكون هذا الكلامُ مفسِّراً لـ{ سِجِّينٍ } ما هو؟، و{ مَّرْقُومٌ } معناه: مكتوبٌ لهم بِشَرٍّ، وباقي الآية بَيِّنٌ، ثم أوجَبَ أنَّ مَا كَسَبُوا من الكفرِ والعُتُو قَدْ { رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } أي: غطى عليها؛ فهُمْ مع ذلك لا يُبْصِرُون رشداً، يقال: رَانَتِ الخمرُ على قلبِ شاربِها، ورَانَ الغَشْيُ على قلبِ المريضِ، وكذلك الموتُ، قال الحسنُ وقتادة: الرّينُ الذَّنبُ على الذنبِ حتى يموتَ القلبُ، ورَوَى أبو هريرةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الرجُلَ إذا أذْنَبَ نُكِتَتْ نكتةٌ سَوْدَاءُ في قلبهِ، ثم كذلك حتَّى يَتَغطَّى فذلكَ الرانُ الذي قال اللَّه تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ }" ، قال الفخرُ: قال أبو معاذ النَّحْوي: الرّينُ سَوَادُ القلبِ من الذنوبِ، والطَّبْعُ أن يُطْبَعَ على القلبِ، وهو أشَدُّ من الرينِ، والإقْفَالُ أشدُّ من الطبعِ؛ وهو أن يُقْفَلَ على القلبِ، انتهى، والضميرُ في قوله تعالى: { إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ } للكفارِ أي: هم محجوبونَ لا يَرَوْنَ ربَّهم، قال الشافعي: لما حَجَبَ اللَّهُ قوماً بالسَّخْطِ دَلَّ عَلى أن قوماً يرَوْنَهُ بالرِّضَى، قال المحاسبي ـــ رحمه اللَّه ـــ في كتابِ «توبيخ النفس»: وينبغِي للعبدِ المؤمنِ إذا رأى القسوةَ من قلبه أن يعلم أنها من الرّينِ في قلبه فيخافُ أن يكونَ اللَّهُ تعالى لمَّا حَجَبَ قلبَه عنه بالرّينِ والقسوةِ أنْ يحجبَه غَداً عن النظرِ إليه؛ قال تعالى: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ } إحداهُما تتلو الأخرى؛ ليس بينهما معنًى ثالثٌ، فإنْ اعترضَ للمريدِ خَاطِرٌ من الشيطانِ ليقْتَطِعَه عن الخوفِ من اللَّه تعالى، حتى تحلَّ بهِ هاتانِ العقوبتانِ فَقَال إنما نَزَلَتَا في الكافرينَ؛ فليقلْ فإنَّ اللَّهَ لم يؤَمِّنْ منهما كثيراً مِنَ المؤمنينَ، وقد حذَّر سبحانَه المؤمنينَ أن يُعَاقِبَهُم بما يُعَاقِبُ به الكافرين؛ فقال تعالى: { { وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى أُعِدَّتْ لِلْكَـٰفِرِينَ } [آل عمران:131] إلى غير ذلكَ من الآيات، انتهى، ولما ذَكَرَ اللَّهُ تعالى أمْرَ كتابِ الفجار، عَقَّبَ ذلكَ بذِكْرِ كِتَابِ ضدِّهِم؛ ليبيِّنَ الفرقَ بين الصِّنْفَيْنِ، واخْتُلِفَ في المَوضِع المعروفِ بـ{ عِلِّيِّينَ } ما هو؟ فقال ابن عباس: السَّمَاءُ السَّابعَةُ تَحْتَ العَرْشِ، وَروي ذَلِكَ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الضحاكُ: هو سِدْرَةُ المُنْتَهَى، وقال ابن عباس أيضاً: عليونَ: الجنة.

وقوله تعالى: { يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ } يعني الملائِكة؛ قاله ابن عباس وغيره، و{ يَنظُرُونَ } معناه إلى ما عندَهم مِن النعيم، والنَّضْرةُ: النعمةُ والرونقُ، والرحيقُ: الخَمْرُ الصافيةُ، و{ مَّخْتُومٍ } يحتملُ أنَّه يُخْتَمُ على كؤوسه التي يشْرَبُ بها تَهَمُّماً وتنظفاً، والظاهر أنه مختُوم شربُه بالرائحةِ المِسْكِيةِ؛ حَسْبَمَا فسَّره قوله: { خِتَـٰمُهُ مِسْكٌ } قال ابن عباس وغيره: خاتمة شربه مسك، [وقرأ الكسائي: «خَاتَمُهُ مِسْكٌ»]، ثم حرَّضَ تعالى على الجنةِ بقوله: { وَفِى ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ }.