وقوله تعالى: {إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قال ابن عباس وقتادة: المعنى أن اللَّهَ عَلى ردِّ الإنسانِ حيًّا بعد موتهِ لقادرٌ، وهذا أظهر الأقوال هنا وأبينُها، و{دَافِقٍ} قال كثير من المفسرين: هو بمعنى مَدْفُوقٍ، والعاملُ في {يَوْمٍ} الرَّجْع من قولهِ: {عَلَىٰ رَجْعِهِ}.
و{تُبْلَىٰ ٱلسَّرَائِرُ} معناه تُخْتَبَرُ وتكشَفُ بواطنُها، ورَوَى أبو الدرداءِ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن السرائرَ التي يَبْتَلِيهَا اللَّه من العباد: التوحيدُ، والصلاةُ، والزكاةُ، والغُسْلُ من الجنَابةِ، قال * ع *: وهذهِ معظَمُ الأمرِ، وقال قتادة: الوجهُ في الآيةِ العمومُ في جميعِ السرائرِ، ونَقَلَ ابنُ العربي في «أحكامِه» عن ابن مسعود: أنَّ هذه المذكوراتِ [مِنَ] الصلاةِ والزكاةِ والوضوءِ والوديعةِ كلَّها أمَانَةٌ، قال: وأَشَدُّ ذلكَ الوديعةُ تَمْثُلُ له، أي: لمن خَانَها على هيئَتِها يوم أخَذَها فَتُرْمَى في قَعْر جهنمَ، فيقالُ له: أخْرِجْها، فيتبعُها فيجعلُها في عنقهِ فإذا أراد أن يخرجَ بهَا زَلَّتْ منه فيتبعُها؛ فهو كذلكَ دَهْرَ الداهرينَ، انتهى، * ت *: قال أبو عبيد الهروي: قوله تعالى: {يَوْمَ تُبْلَىٰ ٱلسَّرَائِرُ} الواحدةُ سَرِيرَةٌ وهي الأعمالُ التي أسرَّهَا العبادُ، انتهى، و{ٱلرَّجْعِ} المطرُ وماؤُه، وقال ابن عباس: الرجعُ: السحابُ فيه المطرُ، قال الحسنُ: لأنه يَرْجِعُ بالرزقِ كلَّ عامٍ، وقال غيرُه: لأنه يرجع إلى الأرض، و{ٱلصَّدْعِ} النباتُ؛ لأن الأرضَ تَتَصَدَّعُ عنْه، والضمير في {إِنَّهُ} للقرآن، و{فَصْلٌ} معناه: جَزْمٌ فَصَلَ الحقائِقَ مِنَ الأباطيلِ، و{الهَزْل} اللعِبُ الباطلُ، ثم أخبر تعالى عن قريش أنهم يَكِيدُونَ في أفعالِهم وأقوالِهم بالنبي ـــ عليه السلام ـــ، و{وَأَكِيدُ كَيْداً} وهذا على مَا مَرَّ من تسميةِ العُقُوبة باسْمِ الذنبِ، و{رُوَيْداً} معناه: قليلاً؛ قاله قتادة، وهذهِ حالُ هذهِ اللفظةِ؛ إنما تقدمَها شيءٌ تَصِفُه كقولك: سيراً رويداً، أو تقدمَها فعل يَعْملُ فيها كهذهِ، وأما إذا ابتدأتَ بها فقُلْتَ: رويداً يا فلان؛ فهي بمعنى الأمر بالتَمَاهُلِ، * ص *: {رُوَيْداً} قال أبو البقاء: نَعْتٌ لمصدرٍ محذوفٍ، أي: إمْهَالاً رُوَيْداً، و«رويداً» تَصْغِيرُ «رَوْدٍ» وأنشَد أبو عُبَيْدَةَ: [البسيط]
يَمْشِي ولاَ تَكْلِمُ البَطْحَاءَ مِشْيَتُهُكَأَنَّهُ ثَمِلٌ يَمْشِي عَلَىٰ رَوْدِ
أي: على مَهْلٍ ورِفْقٍ، انتهى.