التفاسير

< >
عرض

يَقُولُ يٰلَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
٢٤
فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ
٢٥
وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ
٢٦
يٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ
٢٧
ٱرْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً
٢٨
فَٱدْخُلِي فِي عِبَادِي
٢٩
وَٱدْخُلِي جَنَّتِي
٣٠
-الفجر

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله: { يَٰلَيْتَنِى قَدَّمْتُ لِحَيَاتِى } قال الجمهور: معناه لحياتي الباقيةِ يريدُ في الآخِرَةِ.

{ فَيَوْمَئِذٍ لاَّ يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي لا يعذِّبُ كَعَذَابِ اللَّه أحَدٌ في الدنيا، ولا يُوثِقُ كَوَثَاقِه أحَد، ويحتمل المعنى أنَّ اللَّهَ تعالى لا يَكِلُ عذابَ الكافرِ يومئذ إلى أحد، وقرأ الكسائيُّ ـــ بفتح الذالِ والثاءِ ـــ أي: لا يعذَّبُ كعذَابِ الكافر أحَدٌ مِنَ الناسِ، ثم عقَّبَ تعالى بذكر نفوس المؤمنينَ وحالهم فقال: { يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ } الآية، والمطمئنةُ معناه: الموقِنَةُ غايةَ اليَقِينِ، ألا تَرى قَوْلَ إبراهيمَ ـــ عليه السلام ـــ { وَلَـٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى } [البقرة:260] فهي درجةٌ زائدةٌ على الإيمانِ، واخْتُلِفَ في هذا النداءِ: متى يقع؟ فقال جماعة: عند خروجِ رُوح المؤمِن، ورُوِي في ذلك حديثٌ، و{ فِى عِبَادِى } أي: في عِدَاد عِبَادي الصالحينَ، وقال قوم: النداءُ عند قيام الأجْسَادِ من القبور، فقولُه: { ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ } معناه بالبعثِ، و«ادْخُلِي في عِبَادي» أي في الأجْسَادِ، وقيل: النداءُ هو الآنَ للمؤمنينَ، وقال آخرونَ: هذا النداء إنما هو في المَوْقِفِ عندما يُنْطَلَقُ بأهل النار إلى النار. * ت *: ولا مانِع أن يكونَ النداءُ في جميعِ هذه المواطِنِ، ولما تكلَّمَ ابن عطاء اللَّه في مراعاة أحوال النفس قال: رُبَّ صاحبِ وِرْدٍ عَطَّلَه عن وِرْدِهِ والحضورِ فيه مع ربه هَمُّ التدبيرِ في المعيشةِ وغيرِها من مصالحِ النفسِ، وأنواعُ وَسَاوِسِ الشيطان في التدبيرِ لا تَنْحَصِرُ، ومتى أعطاكَ اللَّه سُبحانه الفَهْمَ عنه عرَّفَكَ كَيْفَ تَصْنَع، فَأَيُّ عبدٍ توفَّر عقلُه واتَّسَعَ نورُه نزلت عليه السكينةُ من ربّه فسكنَتْ نفسُهُ عن الاضْطِرَابِ، وَوَثِقَتْ بِوَلِيِّ الأسبابِ، فكانت مطمئنةً، أي: خامِدَةً ساكنةً مستسلمةً لأحكامِ اللَّهِ ثابتةً لأقدارِهِ وممدودةً بتأييدِه وأنوارِه، فاطمأنَّتْ لمولاَها؛ لعلمِها بأنه يَرَاهَا: { { أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [فصلت:53] فاستحَقَّتْ أنْ يقالُ لها: { يَٰأَيَّتُهَا ٱلنَّفْسُ ٱلْمُطْمَئِنَّةُ * ٱرْجِعِى إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً } وفي الآية خصائصُ عظيمةٌ لَها مِنْها ترفيعُ شأنِها بتَكْنِيَتِها ومَدْحِها بالطَّمْأنينَةِ ثَنَاءً منه سبحانه عليها بالاستسلام إليه والتوكلِ عليه، والمطمئنُّ المنخفضُ من الأرضِ، فلما انخفضتْ بتَواضُعِهَا وانكسارِها؛ أثْنَى عليها مولاَها، ومنها قوله: { رَاضِيَةً } أي: عن اللَّهِ في الدنيا بأحكامِه، و{ مَّرْضِيَّةً } في الآخرةِ بِجُودِهِ وإنعامِه، وفي ذلك إشارةٌ للعَبْدِ أَنَه لا يَحْصُل له أنْ يكونَ مَرْضِيًّا عند اللَّه في الآخرةِ حتى يكونَ راضِياً عن اللَّهِ في الدنيا، انتهى من «التنوير».