التفاسير

< >
عرض

وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
٣٠
ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَمَآ أُمِرُوۤاْ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
٣١
يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَىٰ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ
٣٢
هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ
٣٣
-التوبة

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ }: الذي كثر في كُتُب أهْل العلم؛ أنَّ فرقةً من اليهود قالَتْ هذه المقالة وروي أنه قالها نَفَرٌ يسير منهم فِنحْاص وغيره، قال النَّقَّاش: ولم يبق الآن يهودي يقولها، بل انقرضوا.

قال * ع *: فإِذا قالها ولو واحدٌ من رُؤسَائهم، توجَّهت شنعة المقالة علَى جماعتهم، وحكَى الطبريُّ وغيره؛ أن بني إِسرائيل أصابتهم فتن وجلاء، وقيل: مَرَض، وأذهب اللَّه عنهم التَّوْراة في ذلك، ونَسُوها، وكان علماؤهم قد دَفَنُوها أول ما أحسُّوا بذلك البلاء، فلما طالَتْ المدة، فُقِدَت التوراة جملةً، فحفَّظها اللَّهُ عُزَيْراً؛ كرامةً منه له، فقال لبني إِسرائيل: إِن اللَّهَ قد حفَّظني التوراةَ، فجعلوا يَدْرُسُونها من عنْده، ثم إِن التوراة المدْفُونَة وِجِدَتْ، فإِذا هي مساويةٌ لما كان عَزَيْرٌ يدرِّس، فضَلُّوا عند ذلك، وقالوا: إِن هذا لم يتهيَّأْ لعُزَيْرٍ إِلاَ وهو ابن اللَّه، نعوذُ باللَّه من الضَّلال.

وقوله: { بِأَفْوَٰهِهِمْ }، أي: بمجرَّد الدعوَى من غير حُجَّة ولا برهان، و{ يُضَـٰهِئُونَ }، قراءةُ الجماعة، ومعناه: يحاكُون ويماثلون، والإشارة بقوله: { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ }: إِما لمشركي العرب؛ إِذ قالوا: الملائكة بناتُ اللَّهِ؛ قاله الضَّحَّاك، وإِما لأممٍ سالفةٍ قبلها، وإِما للصَّدْر الأول من كَفَرة اليهودِ والنَصَارَى، ويكون { يُضَـٰهِئُونَ } لمعاصرِي النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإِن كان الضمير في { يُضَـٰهِئُونَ } للنصارَى فقطْ، كانت الإِشارة بـــ { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ } إلى اليهود؛ وعلى هذا فسَّر الطبريُّ، وحكاه غيره عن قتادة.

وقوله: { قَـٰتَلَهُمُ ٱللَّهُ }: دعاءٌ عليهم عامٌّ لأنواع الشَّر، وعن ابن عباس؛ أن المعنَى: لعنهم اللَّه. قال الداووديُّ: وعن ابن عباس قاتلهم اللَّه: لعنهم اللَّه، وكلُّ شيء في القُرآن: قَتَلَ، فهو لَعْن. انتهى. و{ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }، أَي: يُصْرَفُون عن الخَيْر.

وقوله سبحانه: { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ... } الآية: هذه الآية يفسِّرها ما حكاه الطَّبريُّ؛ أن عدي بن حاتم قال: "جئْتُ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وفي عُنُقي صَلِيبُ ذَهَب، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ ٱطْرَحْ هَذَا الصَّلِيبَ مِنْ عُنُقِكَ، فَسَمِعْتُهُ يَقْرَأُ: { ٱتَّخَذُواْ أَحْبَـارَهُمْ وَرُهْبَـٰنَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ }، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وكَيْفَ ذَلِكَ، وَنَحْنُ لَمْ نَعْبُدْهُمْ؟ فَقَالَ: أَلَيْسَ تَسْتَحِلُّونَ مَا أَحَلُّوا وَتُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمُوا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَذَلِكَ" .

ومعنى: { سُبْحَـٰنَهُ } تنزيهاً له، و{ نُورَ اللَّهِ }؛ في هذه الآية: هُدَاه الصادرُ عن القرآن والشَّرْع.

وقوله: { بِأَفْوَٰهِهِمْ }؛ عبارةٌ عن قلَّةِ حيلتهم وضَعْفها.

وقوله: { بِٱلْهُدَىٰ }: يعم القرآن وجميعَ الشَّرْع.

وقوله: { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ }، وقد فعل ذلك سبحانه، فالضمير في { لِيُظْهِرَهُ }: عائدٌ على الدِّين، وقيل: على الرسول، وهذا وإِنْ كان صحيحاً، فالتأويل الأول أبْرَعُ منه، وأَلْيَقُ بنظامِ الآية.