التفاسير

< >
عرض

فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا
٨
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا
٩
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
١٠
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ
١١
إِذِ ٱنبَعَثَ أَشْقَاهَا
١٢
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَاهَا
١٣
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا
١٤
وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا
١٥
-الشمس

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله سبحانه: { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } أي: عرَّفَها طرق ذلكَ، وجَعَلَ لها قوةً يصحُّ معها اكتسابُ الفُجُور أو اكتسابُ التقوى، وجوابُ القَسَمِ في قوله: { قَدْ أَفْلَحَ } والتقديرُ: لَقَدْ أفْلَحَ، زاد * ص *: وحُذِفَتْ اللامُ للطُولِ، انتهى، والفاعلُ بـ«زكى» يحتملُ أَن يكُونَ اللَّهُ تَعَالَى؛ قاله ابن عباس وغيره، ويحتملُ أنْ يكونَ الإنسانَ؛ قاله الحسن وغيره، و{ زَكَّـٰهَا } أي طَهَّرَهَا ونَمَّاهَا بالخيراتِ و{ دَسَّـٰهَا } معناه: أخْفَاهَا وحَقَّرَها وصَغَّرَ قدْرَها بالمعاصِي والبخلِ بما يَجِبُ وأَصلُ «دَسَّى»: دَسَّسَ؛ ومنه قول الشاعر: [الطويل]

وَدَسَّسْتَ عَمْراً في التُّرَابِ فَأَصْبَحَتحَلائِلُهُ مِنْهُ أَرامِلَ ضُيَّعَا

ت *: قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي: ومن عيوبِ النفس الشفقةُ عليها، والقيامُ بتَعَهُّدِها وتحصيلِ مآربِها، ومداواتُها الإعراضُ عَنْها وقلةُ الاشْتِغَالِ بها، كذلك سمعتُ جَدِّي يقول: مَنْ كَرُمَتْ عليه نفسهُ هَانَ عليه دينُه، انتهى من تأليفه في عيوب النفس، ورُوِي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ هذه الآيةَ قال: "اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا" ، قال "صاحبُ الكَلِمُ الفَارِقِيَّةِ والْحِكَمِ الحقيقيَّةِ" النفسُ الزكيَّةُ زِينَتُها نَزَاهَتُها، وعافيتُها عِفَّتُها، وطَهَارَتُها وَرَعُها، وغِنَاها ثِقَتُها بمولاها؛ وعلمُها بأنَّه لا ينساها، انتهى، ولما ذَكَر تعالى خَيْبَة مَنْ دسَّى نفسَه؛ ذكرَ فرقةً فَعَلَتْ ذلكَ ليعتبرَ بهم، وينتهى عن مثلِ فعلِهم، والطَّغْوَى: مصدرٌ وقال ابن عباس: الطَّغْوَىٰ هنا العذابُ. كذَّبُوا به حتَّى نَزلَ بهِم ويؤيدُه قولُه تعالى: { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [الحاقة:5] وقال جمهورُ من المتأولين: الباءُ سببيةٌ والمعنى: كَذَّبتْ ثمودُ نبيَّها بسبب طُغْيَانها، و{ أَشْقَـٰهَا }: هو قدار بن سالف، وقد تقدم قصصُهم، * ت *: و{ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَـٰهَا } قيل: نَصْبٌ بفعلٍ مُضْمَرٍ تقديرُه احْفَظُوا أو ذَرُوا، وقال * ص *: { نَاقَةَ ٱللَّهِ } الجمهورُ: بنصبِ { نَاقَةَ } على التحذيرِ أي احذرُوا ناقةَ اللَّهِ، وهو مما يجبُ إضمارُ عامِله، انتهى، و{ دَمْدَمَ } معناه أنْزَلَ العذابَ مُقَلْقِلاً لهمْ مكرَّراً ذلك، وهي الدَّمْدَمَةُ، الثعلبيُّ قال مؤرج: الدمدمةُ أهلاكٌ باستئصالٍ، انتهى، وكذلكَ قال أبو حيانٍ، وقال الهروي: قال الأزهريُّ: { فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ } أي: أطْبَقَ عليهم العذابَ، وقيل { فَدَمْدمَ عَلَيْهِمْ } أي: غَضِبَ عليهم، انتهى.

وقوله تعالى: { فَسَوَّاهَا } أي فَسَوَّى القبيلةَ في الهَلاَكِ؛ لَم يَنْجُ مِنْهم أَحَدٌ، وقرأ نافع وابن عامر: «فَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا» والمعنى: فَلاَ دَرَكَ عَلَى اللَّهِ تعالى في فعلهِ بهم؛ وهذا قول ابن عباس والحسن، ويحتملُ أنْ يكونَ الفاعلُ بـ{ يَخَافُ } صالحاً ـــ عليه السلامُ ـــ أي: لا يخاف عُقْبَى هذه الفعلةِ بهم؛ إذ كَانَ قَدْ أنذَرهم، وقرأ الباقون: «ولاَ يَخَافُ» بالواوِ فَتَحْتَمِلُ الوجهينِ، وتحتملُ هذه القراءةُ وجْهاً ثالثاً: أنْ يكونَ الفاعلُ بـ{ يَخَافُ } المنبعثَ؛ قاله الزجاجُ والضحاكُ والسدي، وغيرُهم، وتكون الواوُ واوَ الحالِ، كأنّه قال: انْبَعَثَ لِعَقْرِهَا وهُو لاَ يَخَافُ عُقْبَى فِعلِهِ.