التفاسير

< >
عرض

وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَىٰ
٧
وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَىٰ
٨
فَأَمَّا ٱلْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ
٩
وَأَمَّا ٱلسَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ
١٠
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ
١١
-الضحى

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

وقوله تعالى: { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَىٰ } اخْتَلَفَ الناسُ في تأويلِهِ، والضلالُ يَخْتَلِفُ، فمنه البعيدُ ومنه القريبُ؛ فالبعيدُ ضلالُ الكفَّارِ، وهذا قَدْ عَصَمَ اللَّهُ منه نَبِيَّه فَلَمْ يَعْبُد صلى الله عليه وسلم صَنَماً قط، ولا تَابعَ الكفارَ على شيءٍ مما هم عليه من الباطلِ، وإنما ضلالُه صلى الله عليه وسلم هو كَوْنُهُ واقفاً لا يَميزُ المَهْيَعَ، بل يُدْبِرُ وَيَنْظُر، وقال الترمذي وعبد العزيز بن يحيى: { ضَالاًّ } معناه: خاملُ الذِّكْرِ لا يعرفُك الناسُ؛ فهداهُم إليكَ ربُّك، والصوابُ أنه ضلالُ مَنْ توَقَّفَ لا يَدْرِي، كما قال عز وجل: { { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا ٱلْكِتَـٰبُ وَلاَ ٱلإِيمَـٰنُ } [الشورى:52] وقال الثعلبي: قال بعض المتكلمين: إذا وجَدَتِ العربُ شَجَرَةً مفردة في فلاةٍ سَمَوْها ضالةً فَيُهْتَدَى بها إلى الطريقِ، أي: فَوَجَدْتُكَ وَحيداً ليس معَك نبيٌّ غيرَك فهديتُ بك الخلقَ إليَّ، انتهى، قال عياض: وقال الجنيد: المَعْنَى: وَوَجَدَكَ متحيِّراً في بيانِ ما أُنْزِلَ إليكَ فهَدَاكَ لبيانِه، لقوله: { { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ } [النحل:44] الآية، قال عياض: ولا أعلمُ أحداً من المفسرينَ قَال فيها ضالاًّ عَنْ الإيمانِ، وكذلك في قصةِ موسى ـــ عليه السلام ـــ قوله: { فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَاْ مِنَ ٱلضَّالِّينَ } [الشعراء:20] أي المخطئينَ، وقال ابن عطاء: { وَوَجَدَكَ ضَالاًّ } أي: مُحِبًّا لمعرفتِي، والضَّالُّ: المحِبُّ، كما قال تعالى: { { إِنَّكَ لَفِى ضَلَـٰلِكَ ٱلْقَدِيمِ } [يوسف:95] أي: محبَّتِكَ القديمةِ، انتهى، والعَائِلُ: الفقيرُ { فَأَغْنَىٰ } أي: بالقناعَةِ والصَّبْرِ، ثم وصَّاه تَعالى بثلاثِ وصَايَا؛ بإزاءِ هذه النّعم الثلاثِ، و{ ٱلسَّائِلَ } هنا قَال أبو الدرداء: هو السائلُ عن العِلْمِ، وقيل: هو سائلُ المالِ، وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القومُ السؤال يحملنا زادنا إلى الآخرة.

وقوله تعالى: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } قال مجاهد وغيره: معناه بُثَّ القرآن وبلِّغْ ما أُرسلْتَ بهِ، قال عياض: وهذا الأمرُ يَعُمَّ الأمة، انتهى، وقال آخرونَ: بل هُوَ عُمُوم في جميعِ النِّعم، وفي «سُنَن أبي داودَ» عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أَعْطُوا الأَجِيرَ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ، وَأَعْطُوا السَّائِلَ، وَإنْ جَاءَ عَلَىٰ فَرَسٍ" قال البغويُّ في «المصابيحِ»: هذا حديثٌ مُرْسَلٌ انتهى.