التفاسير

< >
عرض

وَٱلتِّينِ وَٱلزَّيْتُونِ
١
وَطُورِ سِينِينَ
٢
وَهَـٰذَا ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ
٣
لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ فِيۤ أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ
٤
ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ
٥
إِلاَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ
٦
فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِٱلدِّينِ
٧
أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَاكِمِينَ
٨
-التين

الجواهر الحسان في تفسير القرآن

قال ابن عباس وغيره: «والتينُ والزيتون» المقْسَمُ بهما هُما المعروفانِ، وقال السهيلي: أقْسَمَ تعالى بطور تينا، وطور زيتا، وهما جبلانِ عند بيتِ المقدس، وكذلك طور سيناء، ويقال: إن سيناءَ هي الحجارةُ، والطورُ عند أكثر الناسِ هو الجبلُ، وقال الماورديُّ: ليس كلُّ جبلٍ يقال له: طورٌ إلا أنْ تكونَ فيه الأشجارُ والثمار، وإلا فهو جَبَلٌ فقط، انتهى، { وَطُورِ سِينِينَ } جبلٌ بالشَّامِ، و{ ٱلْبَلَدِ ٱلأَمِينِ } مكةَ، والقَسَمُ واقع على قوله تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } [أي: في أحسن تقويم] ينبغي لَه، وقال بعضُ العلماءِ بالعموم، أي: الإنسانُ أحسنُ المخلوقَاتِ تقويماً، ولَمْ يَرَ قومٌ الحِنْثَ على مَنْ حَلَفَ بالطلاقِ أنَّ زوجتَه أحسنُ من الشمس؛ محتجين بهذهِ الآيةِ، وحسْنُ التقويمِ يشملُ جميعَ محاسنِ الإنسانِ الظاهرةِ والباطنةِ؛ من حسن صورتهِ، وانتصابِ قامَتهِ، وكمالِ عقلهِ، وحسن تمييزِه، والإنسانُ هنا اسمُ جنسٍ، وتقديرُ الكلام: في تقويمِ أحسنَ تقويمٍ؛ لأَن { أَحْسَنُ } صفةٌ لا بُدَّ أنْ تَجْرِي على موصوفٍ.

{ ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ } قال قتادةُ وغيره: معناه بالهَرَم وذهولِ العقلِ وهذهِ عِبْرة منصوبةٌ، وعبارةُ الثعلبيِّ: { فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } قيل: اعتدالهُ واستواءُ شبابهِ، وهو أَحْسَنُ ما يكونُ، { ثُمَّ رَدَدْنَـٰهُ أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ } بالهَرَمِ؛ كما قال: { { إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ } [الحج:5]، والسافلونَ: الهَرْمَى والزَّمْنَى والذين حَبَسَهُم عذرُهم عن الجهادِ في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزَلَ اللَّه عُذرَهم وأخبرَهم أن لهم أجْرَهم الذي عَمِلُوا قبلَ أن تَذْهَبَ عقولهُم، انتهى، وفي البخاريّ عنه صلى الله عليه وسلم "إذا مَرِضَ العبدُ أو سَافرَ كتبَ اللَّه له مثلَ ما كانَ يعملُ مقيماً صحيحاً" وهكذا قال في الذين حَبَسَهُم العذرُ، انتهى، قال * ص *: { إِلاَّ ٱلَّذِينَ } قيلَ: منقطعٌ بناءً على أنَّ مَعْنَى { أَسْفَلَ سَـٰفِلِينَ }: بالهرَم وذهولِ العقْلِ، وقيل متصلٌ بِنَاءً عَلى أَنَّ معْناه في النارِ على كفرِه، انتهى، قال * ع *: وفي حديثٍ عَنْ أنسٍ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إذا بَلَغَ المؤْمِنُ خمسينَ سَنَةً خَفَّفَ اللَّه حِسَابَه، فإذَا بَلَغَ سِتِّينَ؛ رَزَقَه الإنَابَة إلَيه، فإذَا بلغَ سبعين أحَبّه أهلُ السَّماءِ، فَإذَا بلغ ثمانين كُتِبَتْ حَسَنَاتُه وتَجاوزَ اللَّهُ عن سيئاتِه، فإذا بلغ تسعينَ غُفِرَتْ ذنُوبُه وشَفَعَ في أهْل بَيْتِه وكَانَ أسيرَ اللَّهِ في أرْضِه، فإذا بلغَ مائةً وَلَمْ يَعْمَل شيئاً كُتِبَ له مثلُ مَا كان يَعْملُ في صحَّتِه ولم تُكْتَبْ عليه سيئة" ، وفي حديث: "إن المؤمنَ إذا رُدَّ إلى أرذل العمر كُتِبَ له خيرُ ما كانَ يعملُ في قوّتهِ" . وذلكَ أجرٌ غير ممنون، ثم قال سبحانه إلزامًا للحُجَّةِ وتوبيخاً للكافرِ: { فَمَا يُكَذِّبُكَ } أيها الإنسانُ، أي: فما يَجْعَلُكَ أنْ تُكَذِّبَ بعدَ هذه الحجةِ بالدينِ، وقال قتادة: المعنَى: فمن يكذِّبُكَ يا محمد، فيما تُخْبِرُ به من الجزاءِ والحسابِ، وهو الدينُ، بَعْدَ هذه العبر، ويحتملُ أنْ يريدَ بـ{ ٱلدِّينِ } جميعَ دينه وشَرْعِه،، ورُوِيَ عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ إذا قَرَأَ { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَـٰكِمِينَ } قَال: بَلَى؛ وأنَا عَلى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِينَ، قالَ ابن العربي في «أحكامه»: رَوَى الترمذيُّ وغيرُهُ عن أبي هريرةَ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: "إذا قَرأَ أحدُكم { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَحْكَمِ ٱلْحَـٰكِمِينَ } فَلْيَقُلْ: بَلَىٰ؛ وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ الشَّاهِدِين" ومِنْ رواية عبد اللَّه: "إذَا قرأَ أَحَدُكُمْ أَوْ سَمِعَ: { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَـٰدِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِىَ ٱلْمَوْتَىٰ } [القيامة:40] فَلْيقُلْ: بَلَىٰ" انتهى، * ت *: وهذان الحديثانِ، وإنْ كَانَ قَدْ ضعَّفُهما ابنُ العربيِّ فهما مما ينبغي ذكرُهما في فضائلِ الأعمالِ، واللَّه الموفق بفضله وكرمه.