التفاسير

< >
عرض

وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً
١
فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً
٢
فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً
٣
فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً
٤
فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً
٥
-العاديات

اللباب في علوم الكتاب

قوله تعالى: { وَٱلْعَادِيَاتِ }، جمع عادية، وهي الجارية بسرعة من العدو، وهو المشي بسرعةٍ، والياء منقلبة عن واو لكسر ما قبلها، نحو: الغازيات، من الغزو، ويقال: عَدا يَعْدُو عَدْواً، فهو عادٍ، وهي عادية. وقد تقدم هذا في سورة "المؤمنين".
قال عامة المفسرين: يريد الأفراس تعدو في سبيل الله تعالى.
قوله: { ضَبْحاً }، فيه أوجه:
أحدها: أنه مصدر مؤكد لاسم الفاعل، فإن الضبح نوعٌ من السير والعدو كالضبع، يقال: ضبح وضبع، إذا عدا بشدة، أخذاً من الضبع وهو الذراع، لأنه يمده عند العدو، وكأن الحاء بدل من العين، وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والمبردُ.
قال عنترةُ: [مجزوء الكامل]

5268- والخَيْلُ تَعْلَمُ حِينَ تَضْـ ـبَحُ في حِيَاضِ المَوْتِ ضَبْحَا

الثاني: أنه مصدر في موضع الحال، أي: ضابحات وذوي ضبح والضبح: صوت يسمع من صدور الخيل عند العدو، وليس بصهيل.
وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه حكاه، فقال: أحٍ أحٍ.
وقال قتادة: تضبح إذا عدت، أي: تحمحم.
وقال الفراء: والضبح: أصوات أنفاسها إذا عدون. وقيل: كانت تكمكم لئلا تصهل، فيعلم العدو بهم، فكانت تتنفس في هذه الحال بقوة.
ونقل عن ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: أنه لم يضبح من الحيوان غير الخيل والكلب والثعلب، وهذا ينبغي أن يصحَّ عنه؛ لأنه روي عنه أنه قال: سُئلتُ عنها، ففسرتها بالخيل؛ وكان علي - رضي الله عنه - تحت سقاية زمزم، فسأله، فذكر ما قلت؛ فدعاني، فلما وقفت على رأسه، قال: تفتي الناس بغير علمٍ، والله إنها لأولُ غزوةٍ في الإسلامِ، وهي بدر، ولم يكن معنا إلا فرسان: فرسٌ للمقدادِ، وفرس للزبير، فكيف تكون العاديات ضبحاً؟ إنما العاديات الإبل من "عرفة" إلى "المزدلفة"، ومن "المزدلفة" إلى "منى" يعني إبل الحاج.
قال ابن عباسٍ: فرجعت إلى قول علي - رضي الله عنه - وبه قال ابن مسعود، وعبيد بن عمير، ومحمد بن كعب، والسديُّ رضي الله عنهم.
ومنه قول صفية بنت عبد المطلب: [الوافر]

5269- فَلاَ والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ بأيْديهَا إذا سَطعَ الغُبَارُ

إلا أن الزمخشري، قال بعد ذلك: "فإن صحت الروايةُ، فقد استعير الضبحُ للإبل، كما استعير المشافر والحافر للإنسان، والشفتان للمُهْرِ".
ونقل غيره: أن الضبح، يكون في الإبل، والأسود من الحيَّات، والبُوم، والصدى، والأرنب، والثعلب، والفرس.
وأنشد أبو حنيفة رضي الله عنه: [الرجز]

5270- حنَّانةٌ من نشَمٍ أو تَألَبِ تَضْبَحُ في الكفِّ ضُباحَ الثَّعْلبِ

قال شهاب الدين: وهذا عندي من الاستعارة، ونقل أهل اللغة أن أصل الضبح في الثعلب فاستعير للخيل، وهو ضبحته النار، إذا غيرت لونه ولم تبالغ وانضبح لونه تغير لسواد قليل، والضبح أيضاً الرماد.
الثالث من أوجه النصب: أن يكون منصوباً بفعل مقدر، أي: يضبح ضبحاً، وهذا الفعل حال من "العَاديَاتِ".
الرابع: أنه منصوب بـ "العَادِياتَ"، وإن كان المراد به الصوت.
قال الزمخشري: "كأنه قيل: والضابحات، لأن الضبح يكون مع العدو".
قال أبو حيَّان: "وإذا كان الضَّبح مع العدو، فلا يكونُ معنى والعاديات معنى الضابحات فلا ينبغي أن يفسر به" انتهى.
قال شهاب الدين: لم يقل الزمخشري إنه بمعناه، إنما جعله منصوباً، لأنه لازم لا يفارقه، فكأنه ملفوظ به. وقوله: كأنه قيل؛ تفسير التلازم لا أنه هو هو.
فصل في هذا القسم
قال ابن العربي: أقسم الله تعالى بمحمد صلى الله عليه وسلم فقال:
{ { يسۤ وَٱلْقُرْآنِ ٱلْحَكِيمِ } [يس: 1، 2]، وأقسم بحياته فقال: { { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ } [الحجر: 72]، وأقسم بخيله وصهيلها وغبارها، وقدح حوافرها النار من الحجر، فقال: { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً }.
وقال الشعبيُّ: تمارى عليٌّ وابن عباس في "العَادِياتَ" فقال علي: هي الإبل تعدو في الحج.
وقال ابن عباس: هي الخيلُ، ألا تراه يقولُ: "فأثَرْنَ بِهِ نَقْعاً" فهل تثير إلا بحوافرها, وهل تضبح الإبل؟.
فقال علي رضي الله عنه: ليس كما قلت, لقد رأيتنا يوم بدر وما معنا إلا فرس أبلق للمقداد، وفرس لمرثد بن أبي مرثد.
وعلى هذا فالقول: { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } أي: الحافر يرمي بالحجر من شدة العدو، فيضرب به حجارة أخرى فتوري النار، أو يكون المعنى: الذين يركبون الإبل، وهم الحجيج إذا أوقدوا نيرانهم بـ "المزدلفة"، وقوله تعالى: { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً }، والإغارة: سرعة السير، وهم يدفعون صبيحة يوم النحر مسرعين إلى "منى".
{ فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } يعني "مزدلفة"، لأنها تسمى بجمع، لاجتماع الحاجِّ بها، وعلى هذا التقدير، فوجه القسم بها ما تقدم ذكره من المنافع الكثيرة في قوله تعالى:
{ { أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى ٱلإِبْلِ كَيْفَ خُلِقَتْ } [الغاشية: 17].
وأيضاً: الغرض بذكر إبل الحج: الترغيب في الحج، فإن الكنود: هو الكفور، والذي لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك، كما في قوله تعالى:
{ { وَللَّهِ عَلَى ٱلنَّاسِ حِجُّ ٱلْبَيْتِ مَنِ ٱسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِيٌّ عَنِ ٱلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 97].
ومن قال: هي الخيل، وهو قول ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، والضحاك وعطاء وأكثر المحققين، قال: إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية إلى أناس من بني كنانة، فأبطأ عليه خبرها، وكان استعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري، وكان أحد النقباء، فقال المنافقون: إنهم قتلوا فنزلت هذه السورة إخباراً للنبي صلى الله عليه وسلم بسلامتها، وبشارة له بإغارتها على القوم، فالمراد: الخيل التي يغزو عليها المؤمنون.
وفي الخبر: "مَنْ لمْ يَعرفْ حُرمَةَ فرسِ الغَازي، ففيهِ شُعبةٌ مِنَ النِّفاقِ" ، وعلى هذا القول، فالسورة مدنية، لأن الإذن في القتال إنما كان بـ "المدينة".
قوله: { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً }، قال عكرمة وعطاء والضحاك: هي الخيلُ حين توري النار بحوافرها وهي سنابكها.
و "قَدْحاً" يجوز أن يكون مصدراً مؤكداً؛ لأن الإيراء من القدح، يقال: قدح فأورى، وقدح فأصلد.
ويجوز أن يكون حالاً، فالمعنى: "قادحات"، أي: ضابحات بحوافرها ما توري النار، ويقال: قدحت الحجر بالحجر، أي: صككته به.
وقال الزمخشريُّ: انتصب "قدحاً" بما انتصب به "ضبحاً" وكأنه جوّز في نصبه ثلاثة أوجه: النصب بإضمار فعله، والنصب باسم الفاعل قبله لأنه ملازمه، والنصب على الحال، وتسمى تلك النار التي تخرج من الحوافر: نار الحباحب.
قال: [الطويل]

5271- تَقُدُّ السَّلوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجهُ وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحُباحِبِ

فصل في معنى الموريات
روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أورت بحوافرها غباراً، وهذا يخالف سائر ما روي عنه في قدحِ النارِ، وإنما هذا في الإبل [وروى ابن نجيح عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } قال هي في القتال وهو في الحج، قاله ابن مسعود هي الإبل تطأ الحصى فيخرج منه النار].
وأصل القدح: الاستخراج، ومنه قدحت العين: إذا أخرجت منها الماء الفاسد، واقتدحت بالزّند، واقتدحت المرق: غرفته. ورَكيٌّ قدوح: يغرف باليد.
والقديح: ما يبقى في أسفل القدر، فيغرف بجهد، والمقدحة: ما تقدح به النار.
والقداحة والقداح: الحجر الذي يُورِي النار.
يقال: وَرَى الزند - بالفتح - يري ورْياً: إذا خرجت ناره، وفيه لغة أخرى، ورِي الزند - بالكسر - يرى فيهما، وقد مضى في سورة "الواقعة".
وقيل: هذه الآيات في الخيل، ولكن إيراءها: أن تهيج الحرب بين أصحابها، وبين عدوهم. ويقال للحرب إذا التحمت: حَمِيَ الوطيس، ومنه قوله تعالى:
{ { كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ } [المائدة: 64].
قال ابن عباس: المراد بـ { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } مكر الرجال في الحرب، وقاله مجاهد وزيد ين أسلم: والعربُ يقولون إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه: والله لأمكرن بك، ثم لأورين لك.
وعن ابن عباس أيضاً: هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل، لحاجتهم وطعامهم.
وعنه أيضاً أنها نيران المجاهدين إذا كثرت نارها إرهاباً، ليظنها العدو كثيراً.
وقيل: هي أفكار الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ويظهر بها من إقامة الحججِ، وإقامةِ الدَّلائلِ، وإيضاح الحق، وإبطال الباطلِ.
قال القرطبي: هذه الأقوال مجاز، ومنه قولهم: فلان يُوري زناد الضلالة، والأول: الحقيقة، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النَّار بحوافرها.
قال مقاتل: العرب تسمي تلك النَّار نار أبي حُبَاحب، وكان أبو حباحب شيخاً من مضر في الجاهلية، من أبخل الناس، وكان لا يُوقد نار الخبز ولا غيره حتى تنام العيون، فيوقد نُويْرَة تقد مرة، وتخمد أخرى، فإن استيقظ لها أحد أطفأها، كراهية أن ينتفع بها أحدٌ، فشبهت هذه النار بناره؛ لأنه لا ينتفع بها.
وكذلك إذا وقع السيف على البيضة فاقتدحت ناراً فكذلك يسمونها.
قال النابغة: [الطويل]

5272- ولا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلولٌ من قِرَاعِ الكَتائبِ
تَقُدُّ السَّلوقِيَّ المُضاعفَ نَسْجهُ وتُوقِدُ بالصُّفَّاحِ نَارَ الحُبَاحِبِ

قوله: { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } ظرف؛ أي: التي تغير وقت الصبح، يقال: أغار يغير إغارة وغارةً: إذا باغت عدواً نهباً وقتلاً وأسراً؛ قال: [البسيط]

5273- فَليْتَ لِي بِهمُ قَوماً إذَا رَكِبُوا شَنُّوا الإغَارَة فُرْسَاناً ورُكْبَانَا

وأغار وغار أيضاً: نزل الغور، وهو المنهبط من الأرض.
قوله: { فَأَثَرْنَ }. عطف الفعل على الاسم، لأن الاسم في تأويل الفعل لوقوعه صلى لـ "أل".
قال الزمخشريُّ: "معطوف على الفعل الذي وضع اسم الفاعل موضعه، يعني في الأصل؛ إذ الأصل: واللاتي عدون فأورين فأغرن فأثرن".
قوله: { بِهِ }. في الهاء أوجه:
أحدها: أنه ضمير الصبح، أي: فأثرن في وقت الصبح غباراً. وهذا حسن، لأنه مذكور بالتصريح.
الثاني: أنه عائد على المكان، وإن لم يجر له ذكر؛ لأن الإشارة لا بد لها من مكان، والسياق والعقل لا يدلان عليه، وإذا علم بالمعنى جاز أن يكون عما لم يجري له ذكر بالصريح كقوله تعالى:
{ { حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ } [ص: 32]. وفي عبارة الزمخشري: "وقيل: الضمير لمكان الغارةِ"، وهذا على تلك اللغيَّة وإلا فالفصيح أن تقول: الإغارة.
الثالث: أنه ضمير العدو الذي دل عليه "والعَادِيَاتِ".
وقرأ العامة: بتخفيف الثاء، أثار كذا إذا نشره وفرقه من ارتفاع.
وقرأ أبو حيوة، وابن أبي عبلة: بتشديدها.
وخرجه الزمخشري على وجهين:
الأول: بمعنى فأظهرن به غباراً؛ لأن التأثير فيه معنى الإظهار.
الثاني: قلب "ثورن" إلى "وثَرْنَ"، وقلب الواو همزة انتهى.
يعني: الأصل "ثَوّرنَ" من ثور يثور - بالتشديد - عداه بالتضعيف كما يعدى بالهمزة في قولك: أثاره ثم قلب الكلمة بأن جعل العين وهي الواو موضع الفاء وهي الثاء، ووزنها حينئذ "عفلن" ثم قلب الواو همزة، فصار: "أثَرْنَ"، وهذا بعيد جداً، وعلى تقدير التسليم، فقلب الواو المفتوحة همزة لا ينقاس، إنما جاءت منه ألفاظ كـ "احد وأناة" والنقع: الغبار.
وأنشد: [البسيط]

5274- يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتَطَارِ دَائمَةً كَأنَّ آذَانهَا أطْرافُ أقْلامِ

وقال ابن رواحة: [الوافر]

5275- عَدِمتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَروْهَا تُثِيرُ النَّقْعَ مِنْ كَنفَيْ كَدَاءِ

وقال أبو عبيدة: النقع، رفع الصوت؛ قال لبيدٌ: [الرمل]

5276- فَمتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صَادِقٌ يُحْلبُوهَا ذَاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ

يروى: "يجلبوها" أيضاً، يقول: متى سمعوا صراخاً أجلبوا الحرب، أي: جمعوا لها، وقوله: "ينقع صراخ" يعني رفع الصوت.
قال الزمخشري: ويجوز أن يراد بالنَّقع: الصياح، من قوله عليه الصلاة والسلام:
"لَمْ يكُنْ نَقعٌ ولا لَقلَقةٌ" .
وقول لبيد: [الرمل]

5277- فَمتَى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ

أي: فهيجن في المغار عليهم صياحاً وجلبة.
وقال أبو عبيد: وعلى هذا رأيت قول أكثر أهل العلم، انتهى. فعلى هذا تكون الباء بمعنى "في" ويعود الضمير على المكان الذي فيه الإغارة، كما تقدم.
وقال الكسائيُّ: قوله: "نقْعٌ ولا لقْلقَةٌ" النّقع: صنعة الطعام، يعني في المأتم يقال منه: نقعت أنقع نقعاً. قال أبو عبيد: ذهب بالنقع إلى النقيعة، وإنما النقيعة عند غيره من العلماء: صنعة الطعام عند القدوم من سفر، لا في المأتم.
وقال بعضهم: يريد عمرو بالنقع وضع التراب على الرأس فذهب إلى أن النقع هو التراب.
قال القرطبي: ولا أحسب عمراً ذهب إلى هذا، ولا خافه منهن، وكيف يبلغ خوفه ذا، وهو يكره لهن القيام، فقال: وهو الذي لا أدري ما هو من الحديث ولا أعرفه، وليس النقع عندي في هذا الحديث إلا الصوت الشديد، وأما اللَّقلقة: فشدة الصوت، ولم أسمع فيه اختلافاً.
[قال محمد بن كعب القرظي: النقع بين "مزدلفة" إلى "منى".
وقيل: إنه طريق الوادي، ولعله يرجع إلى الغبار المثار من هذا الموضع.
وفي "الصحاح" النقع الغبار، والجمع: النقاع والنقع محبس الماء، وكذلك ما اجتمع في البئر منه.
وفي الحديث: أنه نهى أن يمنع نقع البئر.
والنقع: الأرض الحرة الطين يستنقع فيها الماء، والجمع: نقاع وأنقع، مثل: بحار وبحر وأبحر].
قوله: { فَوَسَطْنَ }. العامة على تخفيف السين.
وفي الهاء في "به" أوجه:
أحدها: أنها للصبح.
والثاني: أنها للنَّقع، أي: وسطن النقع الجمع، أي: جعلن الغبار وسط الجمع. والباء للتعدية، وعلى الأول هي ظرفية.
الثالث: الباء للحالية، أي فتوسطن ملتبساً بالنقع، أي: بالغبار، جمعاً من جموع الأعداء.
وقيل: الباء مزيدة نقله أبو البقاء.
و "جَمْعاً" على هذه الأوجه: مفعول به.
الرابع: أن المراد بـ "جمع"المزدلفة" وهي تسمى جمعاً، والمراد: أن الإبل تتوسط جمعاً الذي هو "المزدلفة"، كما مرَّ عن أمير المؤمنين فالمراد بالجمع مكان، لا جماعة الناس، كقول صفية: [الوافر]

5278- فَلا والعَاديَاتِ غَداةَ جَمْعٍ

وقول بشر بن أبي خازم: [الكامل]

5279- فَوَسَطْنَ جَمعهُمُ وأفْلتَ حَاجبٌ تَحْتَ العَجاجَةِ في الغُبَارِ الأقْتَمِ

و "جَمْعاً" على هذا منصوب على الظرف، وعلى هذا فيكون الضمير في "به" إما للوقت أي في وقت الصبح، وإما للنقع، وتكون الباء للحال، أي: ملتبسات بالنقع، إلا أنه يشكل نصب الظرف المختص إذ كان حقه أن يتعدى إليه بـ "في".
وقال أبو البقاء: إن "جمعاً" حال، وسبقه إليه مكي. وفيه بعد؛ إذ المعنى على أن الخيل توسطت جمع الناس.
وقرأ علي، وزيد بن علي، وقتادة، وابن أبي ليلى: بتشديد السين، وهما لغتان بمعنى واحد.
وقال الزمخشري: التشديد للتعدية، والباء مزيدة للتأكيد، كقوله تعالى:
{ { وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً } [البقرة: 25] وهي مبالغة في وسطن" انتهى.
وقوله: "وهي مبالغة" تناقض قوله أولاً للتعدية، لأن التشديد للمبالغة لا يكسب الفعل مفعولاً آخر، تقول: "ذبحت الغنم" مخففاً، ثم تبالغ فتقول: "ذبَّحتها" - مثقلاً - وهذا على رأيه قد جعله متعدياً بنفسه، بدليل جعله الباء مزيدة، فلا تكون للمبالغة.
فصل في معنى الآية
المعنى: فوسطن بركبانهن العدو، أي: الجمع الذين أغاروا عليهم.
وقال ابن مسعود: "فوسَطْنَ بِهِ جَمْعاً" يعني "مزدلفة"، وسميت جمعاً لاجتماع الناس فيها.
ويقال: وسطت القوم أسطهم وسطاً وسطة، أي: صرت وسطهم، وقد أكثر الناس في وصف الخيل وهذا الذي ذكره الله أحسن.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الخَيْلُ معْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ" . وقال أيضاً: "ظهرها حرز وبطنها كنز" .
ويروى أن بنت امرئ القيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، هل أنزل عليك ربُّك كلاماً في صفةِ الخَيْل كلاماً أفصح مما قاله جدِّي؟ فقال - عليه الصلاة والسلام -: "وما قال جدّكِ".؟ قالت: [الطويل]

5280-مِكَرٍّ مُقْبلٍ مُدبِرٍ معاً كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيْلُ مِنْ عَل

فقال -عليه الصلاة والسلام -: { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } الآيات فأسلمت.